بعد أن فجع شعب المملكة بوفاة سيدي ولي العهد الأمير نايف -رحمه الله- وخيم الحزن على كل بيت انتاب الكثير الخوف على مستقبل الأمن في بلادنا بالدرجة الأولى، ولكن سرعان ما تبدد هذا التوجس بصدور أمر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- بتعيين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -أعانه الله- وليّاً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة وزارة الدفاع، سيما أن سموه كان ملازماً لشقيقه الأمير نايف ابتداء من إمارة منطقة الرياض، ولا يوجد أي ملف من الملفات الهامة في الدولة إلا وللأمير سلمان -حفظه الله- رأي وعلاقة به، نظراً لموقعه، ولما حباه الله به من حنكة وكياسة وبعد نظر.. وبحكم عملي مع سموه في إمارة منطقة الرياض ما يزيد على أربعين عاماً أعلم أن عمل الإمارة لا يأخذ من وقت سموه أكثر من أربعين في المائة لأنه يعيش هموم الأمة داخل المملكة وخارجها لحظة بلحظة وعينه على كل شيء، وقد بارك الله له في الوقت مع أنه لا يضيع منه أي شيء، فهو مرتب في كل أموره، دقيق في مواعيده، حتى في حالة استقبال المسؤولين والمواطنين له عند عودته من سفره فإنه يراعي الوقت المناسب للمستقبلين، حتى وإن كان وقت الانطلاق لسموه غير مناسب، دقيق في قراءاته، دقيق في ملاحظاته، وتعجب عندما يفوت الناسخ خطأ في أحد أرقام الخطابات، ويكتشف سموه هذا الخطأ، ويعيده رغم أنه قد مر قبل وصوله لسموه بثلاثة من المسؤولين؛ وقد حباه الله سرعة في قراءة ما يُعرض عليه واستيعابه بدقه مع رداءة بعض الخطوط إذ كانت جميع العروض والدراسات تُرفع لسموه بخط اليد قبل وسائل النسخ الحديثة، كل حسب ما أعطاه الله من معرفة بالخط، ومع هذا يفكك سموه الرموز، رغم رداءة بعض الخطوط ويصحح الخطأ.. وأتذكر أحد المواقف التي حصلت لي مع سموه في بداية تشرفي بالعمل مع سموه، لقد كلفتُ في قضية قبلية هامة اختارني سموه لها، بحكم تخصصي، وبعدي عن القبيلتين، وكان الوقت ضيقاً لأن سموه على جناح سفر خارج المملكة، فأعددت عرضاً مطولاً لأن القضية تستحق ذلك بخط اليد ولم أنجزه إلا بعد الظهر، وسموه سيسافر في المساء، وقد مثلت أمام سموه، ورأيت أن عدداً من الملفات لا زالت أمام سموه، يقرأ هذا، ويوجه على ذلك، ويرد على التلفونات، ويدخل الخوي الجالس على الباب بعض الاستدعاءات وبعض الأسماء لأن الكل يرغب مقابلة سموه قبل سفره، أو الحصول على مساعدة، أو قضاءاجة، وعجبتُ من سرعة الإنجاز فيما يكتبه، ودقة التوجيه الذي كان يوجه به الكاتب أمامه، وعندما احتاجت نظارة القراءة التي يلبسها سموه إلى مسحها تناول طرف شماغه، ثم نفث في النظارة بسرعة وأخذ يمسحها بغترته مع أن علبة المناديل أمامه، فقربتها منه، فقال لي (نحنُ حرفية)؟! كناية عن الخشونة. وعندما جاء دوري بعد أن نظف مكتبه من أيّ ورقة أخذ يقرأ الدراسة المكونة من بعض صفحات وقد فوجئت أنه سرعان ما يقلب الصفحات، وقد كنت أعتقد لاهتمامه بالقضية أنه سيأخذ وقتاً في القراءة والتمعن والمناقشة، ثم عدت ألوم نفسي لأنني لم أحضر بوقت مبكر، ومناسب، وأدركتُ أن إلقاء نظرة عابرة من سموه على ما كتبته إنما ذلك من باب المجاملة لي -جزاه الله خير- إذ لم يعتد أحد من موظفيه أن يجرح مشاعره، بدلاً من أن يقول لي الوقت ضيق، وعندما انتهى من تقليب الصفحات في نظري، فوجئت بما أذهلني حقاً لقد التفت سموه لي وأخذ يناقشني واحدة واحدة على ما كتبت ويعطيني التوجيه الذي أشفاني ويشكرني سموه في النهاية، وقد خرجت مذهولاً، لأنه كان -متعه الله بالصحة والعافية- كأنه يصور الصفحات، أو يحفظها. أخلص من هذا إلى أن سموه أهل لما كلف به يعرف ذلك القريب منه والبعيد. ولو أردت ويشاطرني الكثير الاسترسال في ذكر مناقب سموه لأخذ ذلك منا مئات الصفحات. أدعو الله مخلصاً أن يمد سيدي خادم الحرمين الشريفين بالصحة والعافية لمواصلة المسيرة، كما أدعو الله صادقاً أن يرحم والدنا الملك عبدالعزيز، وأولاده الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والأمير سلطان، والأمير نايف.. وأن يعين سيدي الأمير سلمان، وسيدي الأمير أحمد، وإخوانهم وكل العاملين المخلصين. عبدالله بن مجدوع القرني وكيل إمارة منطقة الرياض للشئون الأمنية