خلف الأسوار تتطلع الأنظار ..تحتار أو لا تحتار .. لا علم لنا بالدواخل ولا الضمائر ولا الأسرار .. كل ذلك يحدث خلف الأبواب المغلقة والأسوار العالية بعيداً عن الأنوار ونشرات الأخبار !! ونحن لا نعلم ولا نفهم ولا نتحكم !! أسرار الأسر والعائلات والبنين والبنات والآباء والأمهات هي واقع دفين يصل الينا بعضه ولا يصل كله .. نردد دوماً أن الأسرة هي لبنة المجتمع الاولى ومحطة التنمية الأهم ومخزن المبدعين والرواد والمخترعين والعلماء والحكماء والقياديين والمؤثرين , ونشك أن الغالب يدرك ذلك ويعمل عليه ..ولكي تتوافق اهتماماتنا مع واقعنا علينا أن نبحث عدد من القضايا التي تشوش على هذه التجربة الجميلة والتي هي حضن كل مبدع همام من الجنسين فإذا استقامة الأسرة استقام المجتمع وإذا استقام المجتمع نهض الوطن والأمة والعالم بأذن الله , وإذا سقطت الأسرة سقط الفرد وإذا انهارت الأسرة وانهار المجتمع على أهله وكان بيئة انحرافات وقلاقل ومشاكل لا يعرف الهدوء ولا التوازن ولا الاستقرار , مشهد خطير لا نتمناه جميعاً ولا نرجوه على الإطلاق . كي نكون أكثر صراحة في علاج هذه المشكلات وحل هذه التحديات والقرب من منهج الاسرة السعيدة ذات القوة والسمو والحب التي تخرج لنا الطامحين والمميزين ولا تخرج لنا الفاشلين والضالين والمتخاذلين , ولا تفرز لنا الضعفاء والمترددين والغير واثقين . ولا تهبنا جيلاً ضائعاً بلا بوصلة ولا هدف ولا رؤيا للمستقبل فشل في إدارة نفسه فكيف يستطيع أن يدير الاخرين !! ولا تنتج لنا أبناء مملوئين بالرهاب الاجتماعي والعُقد والاضطرابات والتي نتجت من سوء المعاملة والاضطهاد وتغليب العاطفة على العقل , وتغليب المصلحة على التقوى والهوى على الضمير وتغليب لذة الانتقام على جنة التسامح وتغلب لغة القسوة على لين الكلمة ورحيق المودة ولسان الحكمة وروح الرشد والتعقل وبوابة الحوار, من أجل ذلك كله علينا أن نتحمل المسؤولية ونعمل جاهدين على تلافي أخطاء الماضي ونفتح صفحة جديد نكتب بأولها بسم الله توكلنا على الله . الرعاية والتربية : يخلط الكثير من الناس بكل أسف بين معنى الرعاية ومعنى التربية فالرعاية هي النفقة وإحضار حاجيات المنزل من الطعام والكساء والسكن وتأمين مواصلات الأسرة , أما مفهوم التربية فهو مفهوم آخر يعنى برعاية الانسان الذي داخل هذا المنزل من الناحية النفسية والعقلية والروحية والجسدية واعداده الإعداد الأمثل للحياة وتوجيهه بكل ما يرتقي به أخلاقياً ودينيا وسلوكيا وعلمياً وفكرياً بالإضافة إلى التحفيز والتشجيع لأي عمل مستحسن وإطلاق قدرته وتمكينه من الانطلاق في الحياة بكل قوة وثقة وإصلاح أي خلل يطرأ على السلوك والممارسة أو على عالم الأفكار والقناعات وتداركه بحكمه وهدوء وتجسيد روح الحوار والشورى داخل المنزل والتي من شأنها زرع الثقة في الأبناء والبنات واعدادهم لتولي مسؤوليات الحياة الكبرى بكل اقتدار وهنا نستطيع أن نلخص مفهوم التربية بخمس كلمات ونعتبرها معادلة اتمنى ألا تغيب عنا : ( اعداد وتأهيل , تحفيز , توجيه , حوار , إصلاح ) وعندما نناقش هذا الخلط الواقع لدى شرائح كبيرة من المجتمع يجعلنا نسعى الى توضيح الصورة المشوشة عند البعض فهم يعتقدون بأن احضارهم الارز والدجاج والخضار والفواكه وملئ المخزن من الأطعمة ودفع قيمة الايجار ومصاريف الدراسة هذا كل شيء وهنا انتهى دوره ومسؤوليته وبرئت والغريب في الامر هنا أن المتبنين لنظرية أن الرعاية هي التربية يستغربون فشل أبنائهم وتحولهم إلى عالة عليهم وعلى المجتمع ويندبون حظهم كثيراً ولا يعلمون أنهم شركاء فيه بشكل كبير , بإهمالهم او بجهلهم أو بسوء معاملتهم أو غياب حكمتهم أو دلالهم الزائد للأبناء والذي خلف جيلاً لا يستطيع أن يتحمل مسؤوليه نفسه فكيف بغيره . برامج اعداد القادة : من البرامج الهامة التي اقترح تقديمها في الإطار العائلي والأسري هي برامج اعداد القادة وهي برامج قائمة على تنمية مهارات القيادة في الأبناء والبنات عبر تشجيعهم على القراءة والاطلاع وزرع الحماس والطموح في أنفسهم وتكليفهم بمسؤوليات من سن مبكر تصقل موهبتهم وتقوي بنيانهم الداخلي وتدخلهم عالم التجارب . وإدخالهم في برامج تدربيهم خاصة بإعداد القادة بالإضافة التعامل معهم برقي وتشجيع وزرع الثقة بالنفس في دواخلهم , وتنمية مهارات التفوق الدراسي و الحوار والعرض والتقديم والخطابة والتخطيط وحل المشكلات واطلاق وتنفيذ المشاريع من سن مبكر وتحت إشراف الأبوين أو أحدهما وهذا كله يجعل أدائهم أفضل بمراحل من غيرهم وغالباً ما يكونوا محطات مهمة في تاريخ العائلة لأنهم يرتقون بالعائلة ككل وينقلونها نقلة نوعية . التعامل مع المراهقين : عندما ترى لوحة في بيتنا مراهق تعتقد في قرارة نفسك أن هذا البيت يعش على صفيح ساخن طابعها الكر والفر , ومن هنا علينا أن نستعد لهذه المرحلة التي تطرأ على حياة الاسرة بالقراءة والتوعية والتثقف والتدرب حول هذه المرحلة وكيفية التعامل مع المراهقين واحتوائهم والتقرب منهم وحسن توجيههم وتربيتهم ومد الجسور معهم وتشجيعهم على البوح والحوار والاستفادة من الطاقة الكبرى التي تصاحب هذه المرحلة الهامة علينا أن نعاملهم معاملة الكبار ولا تعاملونهم على انهم اطفال وللأسف يتعامل البعض هنا معهم بالعسف والكبت والقسوة والتحدي والعناد وهذا عكس المطلوب تماماً فشخصية المراهق فيها ثلاث سمات أساسية هي المزاجية والغموض والعناد الذي يراد منه اثبات الوجود , وعند تفهمنا لهذه الطبيعة واستعدادنا لهذا المرحلة سوف تستخرج من هذا الانسان المارد الايجابي الذي بداخله بدل الدخول معه في معركة طاحنة تهلك الحرث والنسل كما يفعل البعض بكل اسف . مجلس ادارة الأسرة : من الأفكار الإبداعية التي لها أثر كبير في نفوس أفراد الأسرة هي فكرة مجلس إدارة الاسرة وهو مجلس شوري يعقد لتناول الأشياء التي تهم الاسرة مثل السفر أو الانتقال الى مسكن او مناقشة أحد مشكلات أفراد الاسرة أو مناقشة مقترح هام مقدم يمس الاسرة هذا التناول الراقي يكسب افراد الاسرة جميعاً الثقة والقوة وحسن التصرف والتدبير ويجعلهم يفعلون قواهم الذاتية والعقلية والنفسية بشكل يبعث على السرور ويبث روح التنافس الايجابي وينمي الفكر الابداعي ويربيهم على العمل الجماعي والبعد عن الأنانية داخل الاسرة ويبعدهم عن صراعات النفوذ والتمييز الذي يحدث بكل أسف بين الأولاد . أو الاحساس بالظلم أو التهميش أو الاستبداد بالعائلة والتي غالبا ما تشعل نار الخلاف والشقاق والصراعات الخطيرة وتسلب الأسرة الراحة والاستقرار والسعادة وتجعل الاجواء متوترة ومضطربة وانهيار العلاقات أو ضعفها على الابواب وهذا امر خطير للغاية . احصائيات مخيفة : عالم الإحصائيات يأخذنا إلى أن فشل الأبناء والبنات الدراسي في مجال الزواج و انحرافهم الاخلاقي والسلوكي مرده إلى غياب دور الأسرة وضعف الاعداد والتأهيل والتحفيز والتوجيه والمتابعة واستخدام وسائل خاطئة ومسيئة في إدارة الاسرة وقيادتها فلا نلوم إلا أنفسنا . كتاب أهديه لكم " ابناؤنا جواهر .. ولكننا حدادون " " محبرة الحكيم " التربية وإدارة الاسرة فن يجب ان يتقنه الجميع .. وافتقده يعني أنك تتجه نحو الانتحار الاجتماعي همسة صدق العلاقة مع الله عزوجل الاستعانة بالدعاء وقيام الليل والاحسان للضعفاء والمحرومين والمال الحلال من أسرار التربية السحرية وصلاح الأبناء والذرية . سلطان بن عبدالرحمن العثيم مستشار ومدرب معتمد في التنمية البشرية والتطوير cct باحث في الفكر الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة [email protected]