الكلمة الطيبة صدقة ، لها تأثيرها العميق في النفوس ، وسيطرتها على القلوب ، ولطالما امتزجت بمشاعر المتلقي ، فكان لها أثرها الإيجابي ، فكم من خلالها مسحت دمعة ، وأنقذ غريق من بحرهم ، إن القرآن يدعونا إلى القول الأحسن الجميل .ليس في تعاملنا مع المؤمن فقط ، بل حتى في تعاملنا مع الكافر ، لعله يتوب ، أويفكر في تصحيح المسار . واقع الحياة اليومية ، ومايخلفه السعي المادي الطاغي ، في جوانب الحياة المختلفة ، يقتضي منا الرجوع ، الى المعين الذي لا ينضب ، فنقراء ونقتبس ، لنهتدي ، ونستشفي ، ونروي غيرنا من هذا الرواء ، قال تعالى : (قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) . يقولوا التي هي أحسن ، ولنا هنا أن نتأمل ، وندرك فضيلة اختيار الأحسن ، وليس الحسن فقط ، فلربما كانت المفردات الحسنة كثيرة ، لكن المفردة الأحسن المفردة الأفضل ، هي التي تبتسم لها الذوات ، وتسعد بها المجتمعات ، وتعرقل نوازع الشر في النفوس ، وتوقف خطوات الشيطان في مواقف الجدل ، والنقاش ، وطرح الرؤى ، والأفكار ، التي هي أحسن نحتاجها في كل وقت وحين ، نحتاجها في مواقف تصغر ، وتعظم ، تضيق ، وتتسع ، نحتاجها في موقف الحزن ، والسعادة ، وفي موقف القلق ، والطمأنينة ، وفي موقف النصر ، والهزيمة ، التي هي أحسن نحتاجها لتغيير أفضل ، وتحسين أجمل ، وتقديم صورة حضارية راقية تعكس حقيقة روعة ما نحن عليه ، وما نتمثله من عقائد راسخة ، وأخلاقيات زاكية . التي هي أحسن أمرالله - سبحانه وتعالى - بها موسى وهارون عليهما السلام في مخاطبتهم لفرعون الطاغية قال تعالى: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أويخشى ) التي هي أحسن كانت ديدن رسولنا صلى الله عليه وسلم ، ولك أن تنظر إلى هذه القصة من السيرة النبوية ، والتي كانت المفردة الأحسن ، سيدة الموقف ، والدليل القاطع ، والبرهان الواضح على أن رسالتنا السماوية رحمة للعالمين ، ففي فتح مكة وعندما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : (اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا )، وصل الخبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشا) وعزل سعد بن عبادة وجعل اللواء لقيس ابنه ، التي هي أحسن لاتولد بين عشية وضحاها إنما تحتاج إلى تربية ، وتعاهد ، ومحافظة ، ومراقبة ، المجتمعات القلقة ، لا تربي أبنائها على اختيار المفردة الأحسن ، فمولود عنف في صغره ، ولم يسمع إلا مفردات السوء ، ولم يقرأ إلا الغليظ من القول ، ولم يشاهد إلا أفلام العنف والقلق ،قل أن تجد في قاموسه مفردة الحسن والجمال ،مفردات الإبداع والإعمار ، مفردات المهارة والإتقان ، إنها لم توجد في محيطه ، فكيف نطلب منه أن يتقنها ، أويتمثلها . نظرة سريعة إلى واقع معاش تخبرك عن مدى مايمكن أن تفعله التي هي أحسن في تقريب وجهات النظر ، وفي تخفيف حدة التوتر والانفعال ، وفي لفت نظر المخاطب إلى إمكانياته ، ومهاراته ، وانتشاله من حياة السلبية والاتكال . الإحساس بقيمة التي هي أحسن هو البداية لجعلها حقيقة واقعية ، ننطق بها في كل وقت وزمان . وما أحوجنا إلى ذلك فمن خلالها ننسى الكثير من الألم ، وننطلق في أرجاء المعمورة ، نعمرالكون الفسيح بعبق الكلمة الزاكية ، بعد أن لوثه غيرنا بلهفه المسعور ، وأنانيته الطاغية . بقلم : صالح سرحان القرشي