لاشك بوجاهة وضرورة الطلب الذي نشرته إحدى الصحف قبل عدة أيام وعدة مواقع أخرى حول مطالبة مجموعة من الأطباء والدعاة مجلس الشورى بدعم مٌقترح إنشاء مستشفيات خاصة بالنساء، والمقدم من المجموعة الكريمة التي وقعت عليه، والذي لا يختلف مع دواعيه وأسبابه أي عاقل منصف محايد متأمل في حال معظم المستشفيات المختلطة يلحظ بمباشرة ودون استقصاء ولاتدقيق وجود العلاقات المحرمة والتحرشات الجنسية الصريحة فيها مع عديد من النساء عاملات ومراجِعات، سواء من قبل العاملين (الكادر الطبي والفني والإداري الرجالي) أو من قبل المراجعين الرجال، وتؤرق تلك التحرشات والعلاقات أكثر اللاتي يعملن والذين يعملون في تلك المستشفيات من السالمات والسالمين من بلاياها. وقد وصلت تلك العلاقات والتحرشات لدرجة أصبحت فيها -وللأسف- أمرا شائعا لا يُستنكر في معظم المستشفيات التي تعج بالاختلاط باعتبارها نتيجة (حتمية) لهذا الاختلاط الذي لا ضوابط له ولا روادع على الممارسات الناتجة عنه، وحتى أصبحت ظاهرة التحرش والعلاقات المحرمة بين الجنسين مسألة طبعت عليها أكثر تلك المستشفيات –وللأسف الشديد- فأصبحت مراتعاً خصباً لأنواع الفساد الأخلاقي الذي تُثبته الوقائع اليومية الواقعة في تلك المستشفيات، سواء على العاملات أم على المراجِعات، والتي ملئت أخبارها الصحف والمجالس ويعرفها عن كثب كل من يعمل في تلك المستشفيات، وآخرها ما نشرته صحيفة اليوم مشكورة قبل عدة أيام بعنوان (في دائرة التحرش) والذي يمكن الاطلاع عليه بمجرد البحث في 'قوقل' بهذا العنوان وسيظهر الموضوع ومواضيع أخرى مشابهة، كما يمكن الوصول إليه عن طريق هذا الرابط http://www.alyaum.com/News/life/794 وقد أوضحت صحيفة اليوم أن مستشفا واحدا فقط أكد أحد مسؤوليه وقوع أكثر من 3 حالات تحرش فيه يوميا (أي أكثر من 1000 حالة تحرش سنويا)!! وأوضح مسؤول الشئون الصحية ورود 250 حالة مٌبلغ عنها سنويا..!! وهذا فقط الذي يٌبلغ عنه رسميا!! كما أكدت الممرضات في ذلك المستشفى وقوع التحرش بشكل منتظم ومستمر من قبل بعض الأطباء والعاملين والمراجعين! كما أكدته أيضا العديد من التعليقات الصريحة من أخوات كريمات عفيفات يعملن في قطاع المستشفيات وعشن التجربة أو شاهدنها. وما سبق بدأ ينتشر في عدد من المؤسسات والجهات والمكاتب الحكومية والخاصة غير الطبية التي بدأت وللأسف بنشر الاختلاط فيها بحجة توظيف المرأة زعموا وكذبوا! فهناك آلآف البدائل لتوظيف المرأة بكرامة وصدق، فضلا عن أن المشكلة الكبرى لدينا هي في استيعاب الشباب وتوظيفهم في هذا المجتمع المسلم الذي كفل كرامة المرأة والإنفاق عليها من قبل الرجال المنتجين أبا أو زوجا أو أخا أو ولياً لتقوم المرأة بأعظم وظيفة وهي تربية الأجيال وحضن الرجال المنتجين والمستثمرين مع مشاركة بعضهن في خدمة البلاد بعفة وكرامة بعيدا عن الابتذال والإساءة لشخصها وأسرتها وحياتها واستقرارها وكرامتها. وأنا أعتب بشدة على هذا الطلب لإقحامه لِموضوعين لا علاقة لهما بالمُقترح، وقد أضعفا من قوته وجعلاه مادة للأخذ والعطاء ما كانت لتكون لولاهما:- الأول: جعله زيادة رواتب الطبيبات من لوازم المقترح. الثاني: الإيحاء بصعوبة الفكرة وتكاليفها وحاجتها إلى منشآت جديدة وميزانيات ضخمة. أما زيادة رواتب الطبيبات فلا أراها مشكلة أصلا ولا جزءا من أي حل موضوعي قابل للتنفيذ لبلاء الاختلاط! بل إنها عقبة حقيقية أمام هذا المطلب! خاصة بعد الزيادات التاريخية التي أوصلت الرواتب الشهرية الشاملة لمعظم الأطباء السعوديين الاستشاريين والطبيبات السعوديات الاستشاريات إلى ما يقارب 40000 ريال وأكثر بكثير في حالات كثيرة! وكذلك الزيادات التي تمت لبقية الكوادر الطبية والفنية السعودية وغير السعودية، فإنها قد كانت -في رأي أكثر الراصدين لضعف مبرراتها ولآثارها السلبية- زيادات غير مدروسة قادها وزير الصحة السابق، وقد أدت إلى آثار كارثية على ميزانيات القطاعات الصحية الحكومية والخاصة ولم يصحبها أي تحسن في مستوى الأداء بل أدت إلى انخفاضه بشكل ملحوظ، كما صارت سبباً في زيادة التسيب والبطالة المقنعة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في معظم المستشفيات الحكومية، كما أدت إلى تفاقم المشاكل وساهمت في الارتفاع والتضخم غير المسبوق في أسعار مختلف السلع والخدمات، والذي لسع لهيبه البلاد والعباد ونالت منه القطاعات الصحية الخاصة نصيبها المؤلم ودفع ضريبتها وفاتورتها النهائية في معيشته وفي حقوقه الصحية وغير الصحية المواطن والمواطن فقط! كما أن جعل زيادة رواتب الطبيبات من مستلزمات المُقترح قد أضعف من الجدوى الاقتصادية له وفُرص تنفيذه! برغم عدم الارتباط إطلاقا بين الموضوعين، وعدم الحاجة إطلاقا لزيادة رواتب الطبيبات كما أسلفت، بل إن أي زيادة أخرى في الرواتب سوف يدفعها فعليا المواطن والمقيم في نهاية المطاف؟ والصحيح -المعلوم بالإحصائيات- أن هناك هدر في الموارد البشرية والطبية منها على وجه الخصوص في أغلب المستشفيات الحكومية، فتجد كثيراً من الأطباء فيها -بحكم أنهم الأكثر بعدا عن المسائلة، ورغم المميزات المالية والمعنوية الاستثنائية التي يتمتعون بها- يستكثرون منح أكثر من يوم عيادات في الأسبوع لمشاهدة المرضى في مستشفياتهم الحكومية التي يتقاضون فيها رواتب ضخمة بينما هم نفسُهم وفي نفس الأسبوع يعملون في المساء من 5 إلى 6 أيام في الأسبوع بواقع 4 إلى 6 ساعات يوميا في مراكز أو مستشفيات خاصة!! وهذا قمة الهدر في كادر الموارد البشرية الطبية، وقمة التسيب والإهمال في ضبطها! ولو أٌحسن استخدامها وضبطها وفق الميزانيات الضخمة التي اعتمدها ولاة الأمر يحفظهم الله لحققت خدمة صحية حقيقية ومتكاملة وفي المتناول تجدر بكل مواطن ومقيم في هذا البلد الكريم .. وأنا لا أعترض على مطالبة الطبيبات بزيادة راتب أو غيره من أمور مادية بغض النظر عن وجاهتها أو منطقيتها أو مناسبتها لظرف الحال والزمان كما بينت آنفا، ولكن هذا الموضوع الجلل أعظم وأكبر وأسمى من أن تقحم بين ثناياه مثل هذه القضايا المادية. ووالله إن عمل الطبيبة والممرضة والموظفة بنصف راتبها الحالي في بيئة محتشمة عفيفة غير مختلَطة لنجاة وسعادة وكرامة وطمأنينة لها في الدنيا والآخرة، وإنه لأزكى لها وأكرم بألف مرة من راتب ضخم في بيئة تتعرض فيها باستمرار لأنواع المضايقات والإحراجات وخدش الحياء وما دون ذلك وما أكبر منه، فأي قيمة بقيت للمال إذا ذهب الحياء واستُهين بتلويث الأعراض وأُفسدت البيوت.. أصون عرضي بمالي لا أضيعه ... لا بارك الله بعد العرض بالمال وأما الموضوع الثاني، وهو الإيحاء بصعوبة الفكرة وتكاليفها وحاجتها إلى منشآت جديدة وميزانيات ضخمة، فإنه مغاير للواقع تماما (وتأمل في نص فتوى الشيخ ابن إبراهيم التي هي أول مرفقات الطلب المنوه عنه في بداية الحديث كيف أكد على هذا الجانب بقوله (وهذا لا يكلف شيئاً، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان، فإن الإدارة واحدة، والتكاليف واحدة، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف) وأظن أن عُمر فتواه هذه يقارب الأربعين عاما، فلله دره من إمام واع عبقري ذكي رحمه الله وأحسن مثواه). فالمطلوب (ببساطة) هو إعادة ترتيب وتنظيم المباني الموجودة وهياكل العمل وسياسات وإجراءات تقديم الخدمات الصحية في المستشفيات وفق الإمكانيات المتاحة وبنفس الميزانيات وبنفس المستشفيات لتحقيق حصول النساء المراجِعات على الخدمات الطبية وتحقيق عمل النساء في المستشفيات بخصوصية وستر وكرامة بشكل منعزل عن الرجال العاملين والمراجعين على حد سواء، وتحقيق مثله للرجال، مع بقاء عيادات وخدمات مشتركة لبعض التخصصات النادرة ونحوها بترتيبات بسيطة وواضحة، بعيدا عن ويلات ومآلات الاختلاط السالف ذكرها. وتجربة مستشفى الوفاء بالقصيم رائدة في تحقيق هذا التوازن بحمد الله تعالى، وليس فيها أيا من أسباب اعتراضات التعليقات المعارضة والعقبات المصطنعة من أصحاب الاقتراح ولا غيرهم وحققت بفضل الله وتوفيقه كل ما تطالب به الأكثرية المخلصة العاقلة المؤمنة في هذا البلد الكريم.. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال وسددنا جميعا في القول والعمل،، وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا،، كتبه/ المستشار والخبير الإداري/عبدالله بن عبداللطيف العقيل رابط أضغط هنا http://mediahome.com.sa/dim/news-action-show-id-79.htm