(القطاع الخاص في عيون وطنية) قبل عقدين من الزمن يعتبر الموظف في القطاع الخاص أكثر حضاً من زميله في القطاع العام \"القطاع الحكومي\" في الراتب والمميزات الأخرى حتى التقاعد. فأصبح القطاع الخاص جاذباً للكوادر والكفاءات الوطنية ، وصار ينافس الدولة في مميزات التوظيف ، حتى وصل الأمر بالموظف الحكومي أن بدأ يتسرب من وظيفته الحكومية ويتجه إلى القطاع الخاص مما أربك أجهزة الدولة وأجبرها على إصدار قرارات تمنع الاستقالة وخاصة في قطاع التعليم الذي بدأ يشكو من هذه الأزمة. وكانت التنمية في هذه المرحلة متواضعة وبطيئة ، وكان القطاع الخاص أيضاً وليد تلك المرحلة لأنه بدأ يدخل مرحلة جديدة لم يعتد عليها من قبل ومع ذلك استطاع أن يكون قوةً جاذبةً للعنصر البشري السعودي بسبب تلك الرواتب المغرية والحوافز الجديدة وكل أنواع المميزات وأصبح يشكل عنصراً داعماً بل مشاركاً بالتنمية المتواضعة وأفاد اليد العاملة السعودية ومع ذلك كان ينفذ كل المشاريع التي تطرحها الدولة على أحسن ما يكون وحسب المواصفات والمقاييس المتفق عليها بالعقود التي تتم بينه وبين الدولة. \" قارن بين سلوكيات القطاع الخاص فيما مضى وسلوكياته الآن\" لماذا تغيرت الأحوال الآن ؟. وأصبح القطاع الخاص لا يغري اليد العاملة الوطنية وصار لا يعترف بأي حوافز أو مميزات وحتى لا يريد أن يدفع ذلك الراتب المغري الذي كان يدفعه فيما مضى وتحولت هجرت اليد العاملة إلى هجرة عكسية من القطاع الخاص إلى وظائف الدولة . ومن شدة الحيف والمضايقات والضغط النفسي الذي يُمارس عليه بشدة حتى \"ينقلع\" غير مأسوفاً عليه. بل ما الذي تغير؟. ما الذي تغير وقد أصبح القطاع الخاص بهذه المرحلة يلعب دوراً ضخماً ويتسع إلى الحد الذي جعله يستحوذ على كثير من الأعمال التي كانت تقوم بها الدولة سابقاً وينتشر \"كالإخطبوط المسعور\" وهو يبتلع الأموال الهائلة معتمداً على الإنفاق الحكومي ، ويستفيد من التسهيلات التي توفرها له الدولة بكل سخاء ، ومع ذلك تحول إلى حرباً مسعورة تلتهم كل شيء ولا يقوم بأي مبادرة تفيد الوطن والمواطن بل حل محل الاستعمار الذي يمتص دماء الشعب وينهب خيراتهم ويلقي باليد العاملة الوطنية على قارعة الطريق بلا خوف من دولة ، ولا خجل من مواطن . يقول الاقتصاديون : إننا نشهد تنمية عملاقة وواسعة النطاق تشمل كل النواحي، تمثلت هذه التنمية في جميع الخطط الخمسية التي مرت علينا. وأن هذه التنمية الطموحة لا تستطيع الدولة القيام بها لوحدها فلا بد من مشاركة القطاع الخاص بها، وأن القطاع الخاص يحتاج إلى تسهيلات كثيرة من الدولة حتى يشارك مشاركةً فعالة ، وحتى يستطيع المجتمع أن يتمتع بتلك التنمية لأن المجتمع هو هدفها الأول والأخير ولكن \"هل القطاع الخاص ساهم في رفاهية المجتمع ووفر الأعمال لليد العاملة الوطنية ؟،ثم هل التنمية التي نشهدها الآن استطاعت أن تحقق أهدافها أو جزء منها؟ إذا كان الجواب بالنفي على كلا السؤالين فهل نستطيع أن نقول أن التنمية لم تحقق أهدافها المرجوة . وأن القطاع الخاص لم يقدم أيضاً أي مشاركة مفيدة ، وإنما ساهم في تعقيد المشكلة ، وأضاف قضايا أخرى ساعدت على تكديس اليد العاملة الباحثة عن عمل. وأدى ذلك إلى مضاعفة البطالة , وإحلال اليد الأجنبية بديلاً لابن الوطن. وتفاقمت الأزمات والاختناقات الناتجة عن تكديس العمالة الأجنبية الزائدة عن اللزوم والتي اقتسمت مع المواطن جُل الخدمات التي وجهت أصلاً للمواطن ورفاهيته. صحيح أن التنمية تلعب دوراً مهماً في خدمة المواطن ورفاهيته . وصحيح أن التنمية تشجع القطاع الخاص بالمشاركة وصحيح أن التنمية في الدول الرأسمالية سعت حثيثاً لخدمة المواطن وتوفير احتياجاته . وفتحت الباب واسعاً لانخراط المواطن بالأعمال. ومازالت تسعى للقضاء على البطالة في كل الطرق المتاحة. \"ولكن هل ما يحدث عندنا كذلك؟\" الحكومات الناجحة في الدول التنموية والتي يلعب القطاع الخاص بها دوراً كبيراً تتكلم دائماً عن إفساح المجال للمواطن وتوفير الأعمال له، والمنادات دائماً بإنشاء مشاريع صناعية وزراعية وغيرها تستقطب أكبر عدد ممكن من اليد العاطلة عن العمل. وهذه أكبر ورقة يلوح بها المرشح للرئاسة أمام منتخبيه، وهي العلامة الفارقة في نجاحه أو فشله في الدورة الانتخابية المقبلة. وهي الورقة الرابحة أو الخاسرة في يده للوصول إلى الحكم . هل رأينا أو سمعنا في يومٍ من الأيام أن تنمية في بلدٍ ما تسعى جاهدة لتوفير أعمالاً لليد العاملة الأجنبية وتركن عمالتها على قارعة الطريق؟ ثم هل ما نشهده الآن تنمية أم استغلال؟ من شروط التنمية الحقيقية وأهدافها التي تسعى إلى تحقيقها .أنها تفسح الطريق وتزيل العقبات التي تعترض سبيل اليد العاملة الوطنية، وتبحث دائماً عن أفضل الآليات والطرق السليمة التي تساعد على التوسع الاقتصادي ، وتعمل أيضاً على تحسين الإنتاج ، وتقوية البنية التحتية والمتمثلة في جميع الخدمات من كهرباء وطرق وسكن مريح ومستشفيات ، والقضاء على الأوبئة والأمراض ، وتوفير العلاج اللازم، وتجديد قوانينها وتشريعاتها القديمة ، ونشر الثقافة والوعي الذي يساعد على فهم العصر الذي نعيشه ، والتوسع في التنظيمات المدنية التي تساعد على إنشاء بيئة سليمة تساعد وتسهل عملية التحديث والتطور ومواكبة العصر والتماشي وقبول تفاعلات العصر وفهم ما يدور في العالم من تغيرات. وإنشاء المؤسسات المدنية التي تدافع عن حقوق المواطن وتساعد الدولة في إنشاء جوٍ هادئ وخالي من الاضطرابات الفكرية والأمنية والأهم من هذا وذاك بناء الإنسان القادر على اقتحام السوق وهو متسلحاً بأفضل الشهادات العلمية ولا يتم هذا إلا بإيجاد تعليم عصري جيد يسعى إلى صنع إنسان جاهز لحمل متطلبات التنمية على عاتقه والحلول محل الأجنبي ومقدرته على المساهمة والمشاركة في التنمية الوطنية ، فالتعليم من أهم آليات البنية التحتية التي يجب أن يُصرف عليها بسخاء وتجهيزها بأحدث المعارف الإنسانية التي توصل إليها الإنسان وكل هذا لأجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي ما أمكن ذلك ومشاركة العالم في طرح منجزاتها حتى نستطيع أن نحفر لنا مكانة بين الأمم ونؤسس لنا سوقاً وطنياً بأيدي وطنية بلا مشاركةٍ من أحد. هل تحقق شيئاً من هذا؟ وهل استطعنا الوصول إلى بنية تحتية ولو على الأقل خدماتية ؟ هل قاربنا من تحقيق ولو جزءاً بسيطاً من الاكتفاء الذاتي؟ أم تحولنا بالعكس إلى أكبر سوقاً للصادرات الأجنبية الاستهلاكية. هل استطاع تعليمنا وجامعاتنا أن تخرج لنا ذلك الإنسان القادر على إدارة مشاريعنا التنموية ؟ إذاً ما هي التنمية التي تتكلمون عنها وتبشرون لها وبنتائجها المرجوة. والذي طال انتظارنا لنرى ماذا سيسفر عنه ذلك الإنفاق الحكومي الهائل؟ ثم ما حكاية هذا الابتعاث الواسع النطاق لطلبتنا إلى جامعات العالم . هل فشل تعليمنا؟ وهل نحن نعيش كارثة تعليمية لم ننتبه لها حتى صار \"الشق أكبر من الرقعة\" ونحاول الآن تفاديها بهذا الابتعاث لعله \"يرتق الرقعة\" قبل أن تنفضح الكارثة ونصبح في موقفٍ لا نحسد عليه؟ أرجوكم اقتلوا القطاع الخاص أو قيدوه أو أجبروه على تنفيذ متطلباتكم أو اكبحوا جماحه ونهمه ، وعوده على ممارسة الوطنية بدل جبروته الاستعماري أو أن الأمر مضى وفات وصار القطاع الخاص أكبر من الدولة وأنه أصبح يتعالى على الأنظمة والقوانين أو أن الدولة فقدت سيطرتها على القطاع الخاص وأصبح يمارس حريته لوحده بلا كابح يكبحه أو رادع يحول دونه ودون نهب الوطن الذي بدأ يمارسه علانية وبلا خوفٍ من أحد. القطاع الخاص الذي يتمثل برجال الأعمال السعوديين بالإضافة إلى ما يسمى بالاستثمار الأجنبي أصبح متغلغلاً بأجهزة الدولة ، واستطاع أن يحشد جيشاً كاملاً من موظفي الدولة المرتشين والفاسدين وصار هذا الجيش يزود رجال الأعمال في القطاع الخاص بكل التفاصيل ويمرر معاملاته ومستخلصاته وهي ناقصة التنفيذ. وأصبح رجل الأعمال يتابع حتى القرش الواحد الذي يخرج من خزينة الدولة و يلتهمه ولا يقدم للوطن إلا كمية من المشاريع الفاسدة غير المفيدة والتي تتبين سلبياتها ونواقصها بعد مدة قصيرة من إنشائها . لا بل بدأت تتهاوى وتنكشف عيوبها وهي في طور التنفيذ، ولم يكتفي بذلك بل راح ينهب أيضا ًصندوق تنمية الموارد البشرية الذي أنشأته الدولة لخدمة الشباب العاطل عن العمل وتفادي الهوة السحيقة التي أحدثها القطاع الخاص بعزوفه عن اليد العاملة الوطنية. استطاع أن يتحايل على هذا الصندوق وينهب موارده من خلال التوظيف الوهمي الذي يمارسه ، عندما قام بتوظيف عائلته وأقاربه ومعارفه ويوهم الصندوق أنه وظف مجموعة من العاطلين عن العمل، وسارع إلى نهب المخصصات التي رُصدت لهذا القطاع من العاطلين عن العمل. كل هذا والمشكلة تتفاقم سنة بعد سنة . وجيوش العاطلين تتزايد وأصبحت وزارة العمل أمام مشكلة لا يمكن حلها داخل أروقة الوزارة وتحولت وزارة العمل بلا عمل تقدمه للناس . لأن هذا اللوبي الفاسد أكبر من الوزارة ولا يمكنها أن تقف في طريقه أو تحد من شراهته ونهمه. دعونا نلقي الضوء قليلاً على صندوق تنمية الموارد البشرية . من مهام هذا الصندوق حسب معرفتي أنه يساعد القطاع الخاص ويساهم في دفع جزء كبير من رواتب الموظفين الذين يعملون في هذا القطاع كجزء من مشروع السعودة. ثانياً : يقوم بتدريب وتعليم الشباب المتخرجين وتزويدهم بالخبرة الكافية من خلال الكليات والمعاهد التقنية لأجل أن يكون بإمكانهم النزول إلى سوق العمل وهم متسلحون بشهادات التدريب هذه ، ويخوضون المعركة بكل جدارة . لذلك يقوم الصندوق بالصرف السخي على هذه الأشياء ظناً منه أنه سيتفادى المعضلة. \"ولكن هل حدث هذا؟ وأين هؤلاء المتدربون ؟، لا نشاهدهم يعملون لدى القطاع الخاص . وإن عملوا فيه فإنهم لا يستطيعون ممارسة هذه الخبرة وهذا التدريب لأن رجل الأعمال حشرهم في وظائف كتابية وجعل الأجنبي هو الذي يمارس هذه المهنة بديل عنهم. وبالتالي ما هي فائدة صندوق الموارد البشرية؟. إن لم تكن هذه الفائدة تحولت إلى أصحاب القطاع الخاص واستفادا منها كثيراً . وتحولت هذه الأموال التي ينُتظر منها أن تساعد على تضييق الهوة إلى جيوب الجشعين والنهابين . هذا هو صندوق الموارد البشرية الذي استبشرنا به خيراً . ما حز في نفسي وما جعلني أكاد أموت قهراً هي تلك المقابلة التلفزيونية التي أجراها \"داوود الشريان\" في برنامج واجهة الصحافة. سأل داوود الشريان وكيل وزارة العمل عبدالواحد الحميد هذه الأسئلة. هل تسمح وزارة العمل باستخراج فيزة باسم \"بائع\"؟ رد عبدالواحد قائلاً لا فسأله سؤالاً آخر: إذاً لماذا الأجنبي يمارس هذه المهنة؟ أجابه قائلاً : هذا ممنوع جملة وتفصيلاً سأله مرة أخرى : لماذا تسمحون لهم يمارسون هذه المهنة؟ قال عبدالواحد: لم نسمح لهم ولكن يتخطون النظام. سأله داوود : إذاً أين أنتم من هذا التعدي؟ لم يستطيع الإجابة على هذا السؤال. ولكن الإجابة معروفة مقدماً. لأن المنع أقوى من سلطة الوزارة. وهذا دليل واضح على أن القطاع الخاص كبير جداً. ولا تستطيع الوزارة ولا غيرها كبح جماحه ،وهذا دليل أيضاً على ما ذكرته. موسى النقيدان