المتأمل في عدد زوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف يجد أن الحرمين الشريفين يكتظان بمئات الآف بل بملايين الزوار والمصلين والمعتمرين والحجاج طوال أيام العام وعلى مدار الساعة. ومما لاشك فيه أن أغلب المصلين – إن لم يكونوا كلهم - يشربون من ماء زمزم في كل زيارة للحرم الشريف. وكل شخص يقوم باستخدام كوب بلاستيكي واحد على الأقل مرة واحدة فقط، ثم يرمى به في سلة المهملات، شأنه شأن أي نوع آخر من المخلفات البشريه الذي ينتهي به الحال في غياهب مردم المخلفات الصلبة. وينسى أو يتناسى القائمون على شؤون الحرمين أن هذا الكوب مصنوع من البلاستيك القابل للتدوير الذي يمكن الاستفادة منه اقتصادياً وبيئياً قبل ردمه. فلو أردنا أن نحسب كمية البلاستيك المهدر الذي يمكن إعادة تدويره كل فإن النتيجة تكاد تكون بالأطنان. فعلى أقل تقدير في الأيام العادية - خارج مواسم الذروة – يزور الحرم المكي مالايقل عن مائة ألف زائر يومياً، ولنقل عدد مثله في المسجد النبوي. فلو قلنا أن كل زائر يستخدم كوباً واحداً فقط كل يوم ، لكانت النتيجة 200000 (مائتي ألف) كوب كل يوم. وبما أن وزن الكوب الواحد هو تقريباً 1,5 غرام فإن وزن 200000 كوب سوف يكون 300كيلوغرام يومياً، أي 9 طن في الشهر، أي 108طن في السنة !. هذه من خلال حسبة أولية بسيطة ، فلم نأخذ بالحسبان مواسم الذروة كشهر رمضان والحج، وإلا كان الناتج عبارة عن أرقام فلكية إذا ماتم احتساب الإنتاج الفعلي خلال العام. إلى هنا، لعلكم تتساءلون ماعلاقة هذه الأرقام الضخمة بالطاقة المهدرة؟ أقول أنه طبقاً لوكالة حماية البيئة الأمريكية – US EPA، فإن كل قارورة بلاستيكية واحدة يتم إعادة تدويرها نستطيع توفير طاقة تعادل الطاقة المطلوبة لتشغيل جهاز كمبيوتر لمدة 25 دقيقة، أو تشغيل مصباح كهربائي قوة 60 واط لمدة ست ساعات ! و بِلغة الأرقام، فإن طن واحد من البلاستيك المعاد تدويره يوفر طاقة وقدرها 5700 كيلوواط في الساعة أو 16.3 برميل من النفط أو 27 متر مكعب من مساحة المردم (المكب). ومما يدعو للعجب أكثر أن الجهات الحكومية ذات العلاقة بهذا الأمر – مثل أمانة العاصمة المقدسة وأمانة المدينةالمنورة والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة والجامعات المحلية - لم يأخذوا بزمام المبادرة لتطبيق برنامج التنمية المستدامة في الحرمين الشريفين. وأقصد بالتنمية المستدامة هنا هو الجانب البيئي وحفظ الموارد الطبيعية و تطبيق القوانين البيئية. ولكن بدلاً من أن نلعن الظلام دعونا نوقد شمعة. فأقترح على أمانة العاصمة المقدسة وأمانة المدينةالمنورة ، بالتعاون مع رئاسة شؤون الحرمين أن ينظروا إلى هذا الأمر بعين الإعتبار كونهم مسؤولين عن التخلص من النفايات في الحرمين الشريفين. فيمكن مثلاً الإتفاق مع إحدى الشركات المحلية أو العالمية المتخصصة في إعادة تدوير المواد البلاستيكية، مقابل تعهدهم بجمع الأكواب المستخدمة من الحرمين الشريفين وإعادة تدويرها والاستفادة منها. وبهذا يكون قد ضربوا عصفورين بحجر واحد، أولهما اتباع نهج صديق للبيئة والآخر التخلص من النفايات الصلبة بطريقة اقتصادية أو شبه مجانية. ومن الأخبار الإيجابية في هذا السياق فإن شركة \"أسمى للحلول البيئية\" قد أعلنت عن خطتها لتنفيذ مشروع يتضمن تحويل 3 آلاف طن من النفايات الصلبة يوميا إلى 120 ميغاوت من الكهرباء باستخدام تقنية البلازما. أرجو أن تكون هذه أولى الخطوات في تطبيق برامج شاملة تهتم بالبيئة في جميع المجالات. سعد الدهلوي أكاديمي وباحث بيئي – جامعة الدمام