هذا الخميس الأسود الذي مر علينا وبادرنا فجره بحصد ستة أرواح من مرضانا وممرضينا، هو جزء من منظومة فساد واسعة ومنتشرة في جميع الأجهزة الحكومية، والفساد لا يعني السرقة فقط وإنما يعني أيضاً الإهمال ، والتكاسل والمحسوبيات وعدم الاهتمام بأرواح الناس ومازال هذا الفساد يعم كل شيء وينتشر بسرعة كبيرة ما لم يتم التصدي له وإيقافه بالقوة . هذا الحادث بلا شك نتيجة إهمال كبيرة وعدم مبالاة أدى بنا إلى أن نفجع بهؤلاء الضحايا من الغالين على قلوبنا. غفر الله لهم وأدخلهم جنات النعيم . الفاعل مريض مرفوع عنه القلم، ولكن القاتل مازال بعيداً عن وجه العدالة ، يأكل حتى يمتلئ كرشه، ويضحك بملء فيه وغير مبالٍ بما حدث، ودمُنا الغالي تفرق بين القبائل، القاتل يتفرج علينا وعلى ثكلانا وهن ينزفن الدموع، ولا قلب لمن تنادي . أما أنا فقد نزفت دمعي مرتين، مرةً على وفاة المرضى المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، ومرةً أخرى على تلك الحكاية الدرامية وقصة الصداقة والأخوة الحميمة التي تربط بين الممرضين القرعاوي ، والعبيدان، الذين وُلدا معاً في حي واحد ودرسا معاً وعُينا في المنطقة الشرقية في مستشفى واحد ونقلا إلى بريدة معاً، وعُينا في المستشفى النفسي معاً ووضعا في مناوبة ليلية معاً، وناما في غرفة واحدة وماتا معاً ،وسوف يصُلِّي عليهما في وقت واحد ويدفنا في قبرين متجاورين، وسوف إنشاء الله يدخلان الجنة معاً بإذنه سبحانه وتعالى . إنني يارب أدعوك أن تستجيب لدعائي ودعاء المجتمع يارب العباد، إنك تجيب دعوة المفجوعين المؤمنين يا الله. والقاتل هارب من وجه العدالة ! ومازال الفساد يضرب بقوة ويفتك بالأبرياء والجرح لن يندمل بسهولة ، والحادثة تذكرنا باحتراق مستشفى الولادة القديم، عندما أتت النار على مواليدنا وأمهاتهم، وكان بإمكانها أن تقضي على الجميع لولا مشيئة الله ونجاة البقية ، وشجاعة الأستاذ المناضل رشيد السليمان الحصان مدير مصنع الجميح للمرطبات المقابل للمستشفى حين ذاك وتخطيه جميع أنظمة المصنع، وإعلانه حالة الاستنفار العام لجميع عمال المصنع وجميع سيارات المطافئ التابعة له والمساعدة في مباشرة الحريق بسرعة، وعمل رجاله ببسالة منقطعة النظير حتى أنقذ العمال بقية النساء والأطفال المنومين وستر الله بعد أن فقدنا القليل منهم . شكراً لهذا المناضل العظيم ابن بريدة البار . لم نزل منذ سنوات وسنوات ونحن نتذكر هذا الحدث الأليم والجرح الذي رفض أن يندمل، حتى فاجأنا هذا الحادث الجلل الذي لن ننساه أبداً ، لأنه نتيجة إهمال واضح وفساد متعمد يشترك فيه جميع المسئولين في وزارة الصحة مثله مثل غيره من أنواع الفساد الكثيرة والكثيرة في أجهزة الدولة، والقتلة يأكلون ويشربون ويضحكون على آهاتنا وجراحاتنا ونكباتنا الكثيرة والضحايا نحن، والأسباب متنوعة لا حصر لها والقتلة كثيرون والمفسدون يمرحون على هواهم . ونفسي في يوم من الأيام قبل أن أودع هذه الحياة أن أرى فاسداً منهم مسحوباً على وجهه إلى العدالة وهو يحمل يافطة على ظهره مكتوباً عليها (فاسد وحرامي) ونفسي أرى فاسداً مقطوعةً يده أو رجله عقاباً على ما اقترفته يداه . ولكن مالي في هذه اللحظة الكئيبة إلا أن أقول: \"يازين عرعر ..بس\"، والله يرحم المستضعفين أمثالي والثكالى اللواتي يندبن فلذات أكبادها ودمتم .. موسى النقيدان