يستكثر البعض ، حديث المعلمين عن مشكلة مستوياتهم ، ويطالبون بأن ينتهي المعلم عن مطالبته بحقوقه المادية ، وعن استخدام صيغة الظلم وهضم الحقوق ، مع أن الظلم يعني ، وضع الشيء في غير موضعه . حقوق المعلمين يؤيدها النظام ويقف النظام ضدها أيضا ، وهذه أغرب قصة حقوق على وجه الأرض ، وأقرب رد جاهز للمعلم المتظلم : لقد رضيت بالمستوى الثاني ، فتحمل تبعات الوضع الذي أنت فيه ، كما تحملت التعيين على البند 105 سابقا ، وهذا مثال على صيغة الخطاب التربوي والتعليمي ، بل ومثال على صيغة خطاب ، جزء من المجتمع للمعلم أيضا . وأقل ما يقال عن خطاب المعلم الماثل ، أنه يمثل الحسد تارة ، وتصفية الحسابات تارة أخرى ، والأخطر شعور المعلم بعزلة مشاعره وتطلعاته وميدانه ، فالنادر من المخاطبين له لا يفهمون أن المعلم ليس كل الزوايا ، حينما يرددون \" المعلم حجر الزاوية \". لوم المعلم على تقصيره حق مشروع ، وبالمقابل فتظلم المعلم حق مشروع ، والجهر بالظلم مشروع أيضا ، في حال تفاقم الظلم واستمراره ، وفي حال العجز عن رده بالطرق المشروعة. إن حقوق المعلمين والمعلمات المالية محتسبة ، في الدنيا والآخرة ، لأن من تسبب بوضعهم المالي سابقا ، لم يستند لنظام لسنوات، وفي المقابل تبع ذلك الوضع تشريع أنظمة ، منعتهم من الوصول لحقوقهم وردها ، وإذا كانت مصيبة المعلم حقوقه الضائعة كما يقول ، فالنظام الذي لا يحمي المغفلين هو الآخر ، أكبر ما يواجه المعلم ، فالمعلم الذي سكت عن المطالبة بحقوقه لسنوات ، لابد أن يتحمل تأخره لأكثر من خمس سنوات ، كما يقول النظام ، وأحسن الظن أن هذا التحجير غير مقصود ، ولكنه واقع مرير. من أسس النظام لمنع حقوق الناس ، وهو لا يعلم بأن النظام جائر ، مطالب بأن يسن الأنظمة ، لعالج جراحهم الدامية ، ولو بالاستثناء ، وبعيدا عن لغة \" القانون لا يحمي المغفل \". للمستويات قصة طويلة ، لا يعرفها جل من كتبوا عنها ، ومن أراد أن يقدم شيئا مذكورا في قضية أصحابها ، فعليه أن يتعرف عليها جيدا ، والقصة بدأت قبل عام 1416 ه ، وبحسب الروايات بدأ التعيين على البند منذ عام 1415 ، ولكنه كان خاصا بالمعلمات ، وفي عام 1421 ه تم تعيين معلمين على البند ، وهم أول دفعة عينت على البند من المعلمين ، أو أشهرها ، وفي عام 1422 ه ، وجه المقام السامي بأن يتم اختيار مستويات ودرجات مناسبة لمؤهلات المعينين ، على المستويات الأقل من المعلمين والمعلمات ، ونقل من على البند لمستويات ، وإلغاء التعيين على البند ، تماشيا مع توجه ولاة الأمر الكرام ، للقضاء على الوظائف المؤقتة بشكل عام ، ولكن من قام باختيار المستوى والدرجة ، لم يوفق لاختيار المناسب ، حيث حدد للمعلمين والمعلمات المعينين عام 1422 ه ومن قبلهم مستويات ودرجات واحدة ، بحسب مؤهلاتهم ، وخص من كان على البند أو على المستوى الثاني ، وتجاهل من كان على المستوى الثالث والرابع آنذاك ، وحصول المعلم اليوم ، على فارق غير مشرف في راتبه ، كعشرة ريالات ، نتيجة طبيعة لمن اختار المستوى والدرجة غير المناسبين للمؤهل عام 1422 ه . في عام 1422 ه شعرت بمشكلة المعلمين ، فكتبت عنها ، قبل الإعلان عن نتائج التوجيهات السامية ، وقدمت حلا يوفر كل العناء الحاصل اليوم ، ولكن لم يلتفت لرأيي ، وظلت مغالطة الاختيار لسنوات ، ولم أكتف بالمقال الوقاية ، فكتبت مقالات عدة للعلاج ، وبينت عوار الاختيار ، وأن التوجيه السامي ، كان غاية في الدقة والتميز. وفي عام 1429 ه تفضل ولي الأمر كالعادة ، فسمع المعلمون ، عن توجيه سام دقيق ، ومميز أيضا ، ونصه تقديم الحل المناسب ، لوضع المستويات الأقل ، ولكن للأسف تكرر خلط الأوراق ، ولم ينظر للتوجيه الجديد بعين بصيرة ، رغم التجربة السابقة ، وخلاصة القول ، مجلس الخدمة المدنية ، واللجنة الوزارية المشكلة ، يتحملون كل تبعات ما يحصل اليوم بين الوزارة ومعلميها ، وما يحصل من إحباط في الميدان مستقبلا ، وربما ماضيا. إن وقف الجرح النازف بين الوزارة والمعلمين والمعلمات مطلب وطني ، فلا مستقبل مشرف بلا هدوء ، وبلا علاقة قوية بين المعلم ووزارته . الحل اليوم لا يخرج عن خيار واحد ، وهو منح الدرجة المستحقة في المستويات الحالية، بحسب خدمتهم وخبرتهم أيضا ، ولو من دون فروقات . وبالنسبة للتعويض ، فأرى أن يمنح المعلم فرصة الاقتراض ، من الدولة أو من غيرها ، مع الوعد بتحمل القرض من ميزانية \" الدولة \" . فمثلا من حصل على قرض من البنك الزراعي أو العقاري أو التسليف أو من البنوك الأهلية ، لا تتقاضى منه البنوك ، سوى المبلغ الزائد عن حقوقه ، بشرط منح المعلم سندات غير ربوية ، تسددها الدولة للبنوك عن طريق المعلم ، وما تبقى يعاد للمعلم على فترات ، ولا يمنع أن يكون التعويض غير منصوص عليه بالأنظمة ، بل نابعا من ذات اللجنة الوزارية المشكلة ، فهي لم تقدم الحل المناسب ، ويتطلب هذا الحل ، عودة اللجنة لطاولة الاجتماعات ، لإعادة تقديم العلاج مرة أخرى . من يقرأ مقالي هذا سيقول : المعلم شبعان ويكفيه ما يأتيه ، ومن ثم يبدأ بسرد معاناته ، وأقول له : المحاكم لم تقفل أبوابها ، والمسؤول في خدمة الجميع . قضية المستويات معقدة ومتأزمة ، ومضى عليها خمسة عشر عاما ، ولا زالت تشغل بال أصحابها ، حتى وصلت لحالة تتطلب المصالحة مع المعلمين والمعلمات ، والمصالحة ضرورة تربوية وتعليمية ووطنية أيضا ، فمن يقوم بهذا الدور ؟! أرجو أن يكون مقالي سببا ، لإنهاء الأزمة وعودة المعلمين والمعلمات لمهامهم الأصل ، بدلا من الشقاق ، وعفى الله عما سلف. شاكر بن صالح السليم [email protected]