في ظل ما نسمعه ونُشاهده من تكتّل السلوكيات الموغلة في أُتون التعدّي والتشظّي وانتهاج سبيل العنف والمشاحنات وتراكمات القلق والدلوف في معارك لا طائل من ورائها وليس هناك أي تحقيق للمصالح الحيوية من خلالها سوى إثبات الشخصية المهزوزة والذات المفعمة بالتهويمات والشطحات غير الهيّنات أضحى لائقاً القول بأنّ مناهج علم النفس ومراجع الطب النفسي غير قادرة على عمل تفسير دقيق وعمل علاج ناجع لتلك الحالة التي عندما تتمكّن من صاحبها فإنها قد تُفضي به إلى العدمية والتلاشي . وهذا السلوك يجري ضمن تُخُوم التجارب التي مرت بها الشخصية وأثّرت عليها بشكل ظاهر وجلي ، فهي بالتالي تتويبج لطبقات الظلمات وتكالبات القهر وتردّيات الألم الذي يعصف بالأذهان مروراً بالأبدان وتفرض حالة من ذوبان الذات بين ثنايا السلوكيات الهابطة والهويّات الموتورة . إنه سيناريو بناء النفسية لدى طبقات كثيرة في المجتمع نُصادفها باستمرار ونتعامل معها بشكل يومي ونتأذّى حقيقة من تأزّماتها وتعدّياتها على حقوقنا وحرياتنا . وهذه الفئة تمارس حياتها عبر إثارة المشاكل والمعارك التي لا طائل من ورائها سوى إرواء النفسية المريضة وتقيم على ظهر العلاقات مع الآخرين شظايا من المشاكل والتوترات البلورية وتمارس التشيئ تجاه الآخرين والنقد المشرذم بلامسوغات منطقية أو مدلولات حسية أو وجهات نظر مهذبة ترتقي لمستوى التعامل على نحو يجعلهم يحتفون دون أن يدرون بممارسة التعمية عن مضاهاة الأنساق المنمذجة وهم بذلك ينفذون حكم الإعدام أو لنقل سجن الذات وتكبيلها والإغلاق عليها وهؤلاء طائفة في المجتمع لاشك أنهم منبوذين من قاموس الفهم والأخلاق والتعامل الحضاري متقمصين بجدارة لعنصر النقيض محتفين بحيازة الفشل والتحول إلى النسق الضّدي بفعل جهلهم . وأنا نيتهم ونرجسيتهم ، وإرتضاء منهج الفردانية والبرجوازية كسبيل للحياة والتعاملات وردم للثلمات ينسلون من المواقف الإيجابية ولا يقحمون أنفسم في النقاشات الموضوعية الهادفة لعلمهم المسبق بضحالة تجاربهم وانهيار يقينياتهم وانغلاق منظوراتهم يعيشون في الحياة كالأسوياء لكنهم كالأموات المغيّبين لنفاذ العدمية والتلاشي إلى أعمق أعماق الوعي فكل شخصية تختزن في خبيئتها أرتالاً من النقائض المتموقعة في قرارة الضمير ومتى ما أهملها وتركها فرطاً إنهالت عليه الفوضوية والتخبطات النفسية والتأرجحات الوهمية وحالة الخلط والإخفاق والوقوع في شراك النفسية المعدمة والضمير الميت والإقتيات على جهود الآخرين ونجاحاتهم يعمدون إلى أقصاء وتفتيت كل لُحمة ووشيجة تربط الناس ببعضها . ولعلني أكتب هذه الإيماضة مما تحتفظ به عوالق خلدي وأكتوى بها جلدي من النماذج المريضة التي تعاملتُ معها والمنغمرة في تمجيد الأناء والسابحة في هوة سحيقة من الجهل وفقد الأخلاق والضمير اليقظ وسلوك المنحى الإفقاري ومُختلف لُوينات الوجوه والأقنعة في المواقف وأمام مُجابهة الحقائق ونحن هنا أمام مأزق إزاء هذا السلوك وفي ظنّي أنه لن يسلم أحد منه إلا عن طريق الترياق الناجع الذي من شأنه أن يبدّل النظرة إلى العالم ، والمتأمل عبر الدلائل من شواهد الخطاب القرآني يجد جملة آيات قابعات في لب المعنى فمن ذلك قوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ... ) فهذا تأكيد مشحون باليقين الخالص وإلماعة قرآنية وإيماضة ذات فضيلة ووضاءة تشير إلى غريزة وطبع بشري متأصل وهو فعل الخير والشر معاً فهما متلازمان له في حياته ولا يمكن لمخلوق أن يسلم منهما ، والتسليم بهذا الأمر بمُكنته أن يجعل النفس تركد عن الأفعال المشينة وتركن إلى عمق السكينة -سكينة الطاعة التي تُفضي إلى الحياة الجميلة التي كلنا قاصدوها . ودمتم -أحبّتي -أحباباً في ظل السكينة والوعي وروح التفاهم والإخاء . خالد بن على الحسين [email protected]