في اليوم الخامس عشر من شهر الله المحرم اقتربت من ورقات التقويم السنوي فوجدت نفسي أقف مشدوها أمام هذا الرقم الذي ذكرني بحدث مهم في ذاكرتي -وهو إن كان يخصني شخصيا- إلا أني تأملت فيه فوجدته يحلّق بي نحو تأملات تفوق الخصوصية الشخصية ، إنها تعني سرعة الزمان وتقارب الأيام وتصرم الشهور والأعوام فقد مضى حول كامل على سكنى مكة والتشرف بجوار الحرم الشريف والعمل بهذه الديار المقدسة، والذي مضى كحلم جميل في صبيحة شاتية!!! سنة كاملة من الطاعة والمعصية ، سنة كاملة من الاجتهاد والفتور، سنة كاملة من بذل الخير والإحجام عنه سائلا المولى تقبل الطاعة وتكفير السيئة، وفي معمعة التأمل تساءلت هل لسكنى مكة من تبعة طالما للمجاورة فيها فضيلة؟ وهل سكنى مكة فقط شفيع لصاحبه أن يسكن الجنان العالية في الدار الآخرة؟ وفي خضم هذه التساؤلات تذكرت قول الحق سبحانه \"ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم \" فقلت ذاك الإلحاد والكفر والجحود الذي يبعد أن نكون منه فقرأت ما ذكره أهل العلم والاختصاص بتأويل الكتاب فإذا هو مجرد الهم وإرادة الذنب فقط في مكة كفيل بحصول الغضب وحلول العقوبة!!! يا الله ما أكثر الذين سكنوا القصور الفارهة ، والمراكب النفيسة ، وغنموا من مكة المباركة المال والجاه والسؤدد ومع ذلك كأن بيوتهم قبورا لا تكاد ترى لها داخلا، أو تشاهد منها خارجا، ناهيك عن الهجر التام للصلوات مع جماعة المسلمين بل تصدمك الحقيقة حينما تعلم أنه لا يزور الحرم الشريف سوى حضور عقد قرآن صديق له وسارع بالخروج منه أثناء إقامة الصلاة أو قبلها بقليل!!! وحينما تطالع الصحف المحلية تقرأ أخبارا وأنباء أليمة فهذا يسرق الحاج وهذا يسطو على بيوت آمنة وآخر يقبض عليه مختليا بامرأة متخلفة لا تحل له وكل ذلك في مكةالمكرمة !!! وحين تمر قريبا من المحاكم والشرط تشاهد أكواما من السجناء تفزعك أصوات القيود والسلاسل التي أحكمت عليهم لتعلم فيما بعد أن هؤلاء اشتركوا في حرابة للسطو أو الاغتصاب أو القتل أو ترويج السموم على أبناء مكةالمكرمة!!! وحين تدلف للمحاكم تسمع خصومات المتداعين ، وكل يحلف بالله العظيم أنه صادق ومظلوم وأن خصمه أكل ماله واستولى على أملاكه والحقيقة أنهما غالبا ما يكونا ظالمين كاذبين فاجرين بخصومتهما وكل أفعالهما وأضرارهما يحصل في مكةالمكرمة!!! تنزف جراح المسلمين في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين وتعاني من الحصار والبلاء والشدة ما لا يعلمه إلا الله بينما تشاهد ثلة من الشباب أغلقوا الطريق بسياراتهم المتكدسة بالراكبين وتصدح أصوات الموسيقى الصاخبة والابتهاج على محياهم والتمايل كالنساء وصف يلازمهم والمناسبة فوز فريق رياضي مفضل وكل ذلك يحصل في مكةالمكرمة!!! وتقترب من الحرم الشريف قاصدا بيت الرحمة والمغفرة فترى المتبرجات السافرات عن وجوههن وبعباءات فاتنة وإذا دخلت تلك الفنادق الجميلة المحاصرة للحرم آلمك تلك القنوات التي تبث الخبر والغبر من تلك المشاهد المثيرة الساقطة وكل ذلك في مكةالمكرمة!!! مشاهد مؤلمة ومظاهر محزنة تكتنفها مكة كغيرها من المدن والمحافظات ألم يرحل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حبر الأمة وترجمان القرآن تاركا مكة الطاهرة ليسكن في الطائف خشية حصول الإثم ومضاعفة السيئات في مكةالمكرمة؟ بينما يسافر أحدهم من بلده لمكةالمكرمة لا لأداء العمرة وطلب المغفرة بل لمعاقرة معصية أو لمزاولة جريمة!!! والسؤال الذي يفرض نفسه مرة أخرى: هل سكنى مكة يكفي شفيعا يوم القيامة؟ هل لمكة وسكناها من ضريبة على الناعمين من ثرواتها؟ أين الإسهام في الأوقاف والأربطة؟ وأين المشاركة في المرافق الخدمية والاجتماعية ، أين الإسهام في المدارس والمساجد والميادين العامة؟؟؟ إنها دعوة من محب لأهل مكة جميعا: اسكنوها بحقها وإلا فارحلوا عنها وإن تسأل ما حقها؟ أقول : طاعة الله ورسوله وأولي الأمر منكم باحترام الأنظمة المرعية وسلوك سبيل المواطنة الصالحة، وإن الأمل معقود بالله سبحانه أن يعلي من شأن هذه البلدة المقدسة وأن يصلح ساكنيها وأن يوفق أميرها الحازم لتبقى مكة مكرمة كما ينبغي أن تكون... عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشبرمي ماجستير في السياسة الشرعية