كان الخليفة الفاروق يمارس عادته اليومية في تفقد الرعية وأداء حقهم عليه وبينما هو يتجول في أزقة المدينة وشوارعها لفت نظره بيت لعابر سبيل على أطراف المدينة فذهب إلى هناك ليكتشف حال هذا النازل الجديد وبينما هو يقترب من البيت شده صوت أطفال يصرخون ويتألمون ومنظر أم تضع القدر الممتلئ بالماء فقط على النار لكي يهدْ الصغار ويعيشوا على أمل أن هناك طعام يعد وجوع سوف يسد دخل عمر على المرأة وتفقد حالتها وإذا بها تعيش الفقر بكل صوره والحرمان بكل تجلياته وليس لها في إطعام نفسها وأولادها الثلاثة لاحول ولا قوة .. سألها الفارق عن حالها ولم يعرفها بنفسه !! فشكت إليه الحال وقالت كلمة كانت قاصمة لظهر عمر رضي الله عنه \" الله الله على عمر \" فسألها عمر باستغراب لما تدعين عليه ؟؟ فقالت أيلي أمرنا ويغفل عنا !! صدم الفارق رضي الله عنه بهذا الكلام وهو الذي لا يضع نفسه إلا في محل تقصير رغم عظمة عهده وانتشار عدله وسعة افقه وسداد حكمته وتميز إدارته للأمور . خرج عمر مسرعا إلى بيت مال المسلمين وطلب من الحارس بسرعة كبيرة أن يحضر الدقيق والزيت والعسل وفعلا كان ذلك فقال عمر من للحارس احمل علي !! فقال الحارس بتردد (( احمل عنك أم احمل عليك يا أمير المؤمنين )) فقال عمر احمل علي !! فقال الحارس احمل عنك أم احمل عليك يا أمير المؤمنين فقال عمر ثكلتك أمك أأنت تحمل عني ذنوبي يوم القيامة ؟؟ فزع الحارس , وحمل عمر كل هذه الأغذية على ظهره واتجه مسرعا إلى بيت أم المساكين وهو يعاقب نفسه في كل خطوة يخطوها اعد بنفسه الطعام وخدم الأطفال وأمهم بيديه وهو بغاية السعادة . قاطعت المرأة عمل عمر قائلة : ليتك أنت كنت الخليفة بدل عن عمر !! لم يعلق أبا حفص وخرج وكان الوقت قرابة الفجر وتخبأ خلف شجرة على مقربة من بيت أم المساكين وأطفالها وكان معه عبدا لرحمن ابن عوف الذي ألح عليه أن يعود فلقد حان وقت صلاة الفجر فرفض عمر وقال كلمة عظيمة لو مزجت بماء البحر لمزجته \" والله لا اتركهم حتى أراهم يضحون مثل ما أتيتهم يبكون \" حتى في دقائق الأمور كان يحس بالمسؤولية ولم يكن يعظم عمله أو يضخم دوره أو يلقي باللائمة على الآخرين تهربا أو ضعفا . عاد الفاروق من رحلة الاستكشافية تحت إلحاح من عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما وصلى بالمسلمين الفجر فكان يبكي بكاء الثكالى عند كل أيه من آيات القران الكريم وهو يستحضر رب السموات والأرض وهو واقف بين يديه ويقول في نفسه إن لم يسامحني فلقد هلكت في مشهد لفت أنظار الصحابة الكرام وأثار تساؤلاتهم . وفي الغد كان في يجلس في مجلس الخلافة وعلى يمينه وشماله على ابن أبي طالب وعبدالله ابن مسعود رضي الله عنهما فأقبلت المرأة أم المساكين على مجلس الخلافة لتقابل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالصدفة سمعت احد الصحابة يقول لعمر يا أمير المؤمنين فصدمت !! هذا الذي أطعمنا وسقنا واهتم بنا بالأمس , وهذا الذي دعوت عليه ولم يقل لي شيئاً !! قدمت لعمر الاعتذار فبادرها عمر بقول يدل على انه ما زال ضميره الطاهر يؤنبه (( بكم تبيعين مظلمتك )) ردت الأم باستغراب لقد سامحت وانتهى كل شئ بالأمس فلقد عملت لنا كل شئ أصر عمر وقال سوف اشتري مظلمتك بستمائة درهم من مالي وسوف يشهد على ذلك علي وابن مسعود وافقت المرأة على مضض بعد إلحاح عمر دفع المال وكتب هذا العفو عن عمر على رقعة وشهد الصحابة على ذلك ولم يكتفي عمر بذلك إنما أوصى الصحابة بوصية خالدة إلى الآن تدل على ورعه وتقواه وتحمله للمسؤولية بكل شهامة وجرأة وبكل عدل وإنصاف . وكانت وصيته ضعوا هذه الرقعة التي تنازلت بها امة الله عن حقها بين جسدي وكفني بعد أن أموت حتى ألقى بها وجه الله يوم القيامة ... ما أروع هذه القصة التي استشهد بها في موضوع مهم ومحوري هو الإحساس بالمسؤولية في جميع أنواعها وأصنافها فأنت مسؤول أمام نفسك واهلك وعائلتك ووطنك وأمتك ,,, فهل نعيش إحساس بالمسؤولية عن كل ما يدور حولينا أم أننا نكتفي فقط بسعادة النفس وتلبية رغباتها وإشباع غرورها بغض النظر عن ما يدور حولنا ... لقد تطور الغرب وتقدم بسب الإحساس بالمسؤولية فعلى سبيل المثال عدد المتطوعين في الولاياتالمتحدةالأمريكية حوالي 94 مليون متطوع أي أن حوالي ثلث الشعب ملتحق بأعمال خيرية أو إنسانية تطوعية كان منبعها والمحرك لها الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع وتجاه الدولة . وأيضا على الجانب الآخر ساد المسلمون طوال ثلاثة عشر قرن إلا من خلال الإحساس بالمسؤولية ونبذ الأنانية والإفراط في حب الذات كسلوك وتصرف فهما دخيلين على المجتمعات الإسلامية التي تؤمن بالعمل الجماعي وتؤسس له وان لا مكان لأي صوت نشاز يحفز على اللامباله والاستهتار وعدم الاكتراث بما يحدث هنا أو هناك فهذه الأمة بجميع أقطارها وأفرادها جسد واحد ومثل ما نحن مطلوب منا أن نسعد الجميع يجب علينا أن نمسح دموع الجميع بكل ايجابية وتألق . وهي مطلب تربوي مهم يعلم عليه الصغير والكبير والمرأة والرجل وتلتف حوله الأسرة في النقاش والحوار فالمرأة التي دخلت النار كان ذلك بسب مسؤوليتها عن تلك الهرة التي حبستها !! وعلى النقيض تماما فلقد غفر الله للمرأة البغي حينما أسقت الكلب العطشان بخفها !! وهنا يكون معدن الإنسان نفيسا وغاليا كالذهب حينما يحس بالمسؤولية في عمله وفي معاملاته وفي عبادته في حله وفي ترحاله تجاه القاصي والداني وتجاه الكبير والصغير يقول علي ابن أبي طالب ماقتا السلبية والتخلي والتخاذل أن تعطي القليل خير من الحرمان ولتكن تربية روحية قيمة لنا جميعا تبدأ من إحساسك بالمسؤولية أما العلي القدير سبحانه عن كل سلوكياتك وتصرفاتك وأقاولك ومن ثم إحساسك بالمسؤولية تجاه أسرتك وعائلتك ومجتمعك وأمتك فما أجمل أن تحس بمسؤوليتك عن أخطائك وعثراتك وهفواتك تجاه الله تعلى خالقك ومحييك والمنعم عليك وتجاه خلقه الذين يشاركونك العيش والحياة وتشاركهم الماء والغذاء والهواء . فتجبر ما انكسر وتأخذ العبر وتفتح نافذة جديدة على حياة أجمل وأحلى واسعد وأبقى . وتقول في نفسك وأنت مسرور بكل شجاعة أنا المسئول . محبكم / سلطان بن عبدالرحمن العثيم مدرب معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات [email protected]