أعتقد أن هناك ثلاث حقائق في كارثة غزة يتفق عليها كل من في قلبه شيء من إحساس ، أو ذرة إيمان ، أو بقايا نخوة عربية ؛ أولى تلك الحقائق أن حصار سكان غزة وقطع الإمدادات عنهم وتجويعهم قبل الحرب ومشاركة بعض الدول المحيطة بهم جريمة في كل الشرائع الدينية والقوانين الدولية والأعراف الأممية . والحقيقة الثانية أن ما يقوم به نظام العدو الصهيوني العنصري النازي من فصف المدنيين العزل وتقتيلهم جريمة شنيعة في كل الأعراف الشرائع الدينية والقوانين الدولية والأعراف الأممية . والحقيقة الثالثة أن كل العرب اليوم يتطلعون لموقف موحد شجاع من الدول العربية تجاه ما يحدث لوضع حد لغطرسة العدو النازي الصهيوني . هذه الحقائق الثلاث هي مدار ما يقال في الإذاعات وبعض الفضائيات ، وما يكتب في المقالات والبيانات من العلماء والمفكرين والمثقفين ، وما تحاول إبرازه المظاهرات والاعتصامات . ولهذا لن أعيد الحديث عن حجم المأساة ، أو جريمة الحصار ، أو المطالبة بالموقف العربي الموحد ، بل سيكون حديثي عن ما أبانت عنه مأساة غزة من توجهات سياسية وأيديلوجية لبعض وسائل الإعلام والأحزاب والدول فمثلا قناة العربية تبنت موقف اللامبالاة ولا أريد أن أبالغ بالقول موقفا إسرائيليا ؛ فالمذيع يصف القصف بقوله : ( الصواريخ الإسرائيلية تدك مقرات حماس وتسقط العديد من أعضائها قتل وجرحى ) ، ويجري حوارا مع وزير الداخلية الإسرائيلية فيسأله ببلادة : إلى متى سيستمر هذا القصف ومتى يتم وقف إطلاق النار بينكم وبين حماس ؟ !! ( هكذا والله!!!!! ) وجريدة الشرق الأوسط تستنفر كتابها لتحميل حماس المسؤولية ، وتأتي عناوين الأخبار فيها ( حماس تتلقى ضربات موجعة من الطيران الإسرائيلي ) ( هنية يصرح لن نستسلم حتى لو أبيدت غزة ) ( مائتان وخمسون قتيلا معظمهم من نشطاء حماس ) وتنشر صورة رجل جريح يصرخ معلقة على الصورة ( أحد نشطاء حماس يستنجد بعد القصف الإسرائيلي ) ، ويشارك رسام الكاريكاتير بتحميل حماس المسؤولية فيرسم رسما كاريكاتوريا فيه رجل قيد نفسه بكرسي في غرفة بابها صغير واقفل الغرفة وبلع المفتاح ، وفي الصورة الثانية تشب في جانب الغرفة نار فيحاول الخروج فلا يستطيع، ويكتب الرسام كلمة ( حماس ) على صورة الرجل ودلالة الرسمة واضحة لا تحتاج إلى بيان وقناة الجزيرة تتبنى موقف منظمة حماس كاملا وتنقل شتائم نشطاء الحركة للرئيس الفلسطيني وللحكومة المصرية . والسلطة الفلسطينية تحمل حركة حماس مسؤولية التصعيد متغافلة عن الدم الفلسطيني المراق ، وتحمل حماس مسؤولية قصف سجون حماس وقتل من فيها من نشطاء فتح ، وحزب الله يستغل الأزمة ليشن هجوما عاصفا على الحكومة المصرية على خلفية التوتر الكبير الحاصل بين مصر وإيران ، ولنا أن نتساءل ماذا لو كانت العلاقات بين مصر وإيران ودية ومتينة ؟! هل سيهاجم حزب الله الحكومة المصرية ؟!! وتدخل إيران في اللعبة فتحمل مصر والسلطة المسؤولية وتدعو لنجدة الفلسطينيين ، وتدعو لإحياء النخوة الإسلامية لإنجادهم ، ولنا أن نتساءل ماذا لو كان الفلسطينيون من الشيعة الاذربيجيين من سكان المناطق المتنازع علبها بين أذربيجان وأرمينيا ماذا سيكون موقف إيران ؟!! ، ألم تساعد طيران أرمينيا على قصفهم لأن مصلحتها تحتم ذلك ؟! والحكومة المصرية تحمل حركة حماس المسؤولية لتتنصل من جريمة المشاركة في حصار غزة ، لأنها وعلى لسان الناطق بلسان خارجيتها صرحت أكثر من مرة بأن مصر لا يمكن أن يقبل بقيام إمارة إسلامية على حدودها .وحماس نفسها تشارك بلعبة المتاجرة بالدم الفلسطيني والإنسان الفلسطيني فتمنع حجاج غزة من العبور إلى الأراضي المقدسة لأن أذونات الحج قدمتها السعودية لسلطة الفلسطينية ولم تقدمها لحكومة حماس ، وتمنع إخراج الجرحى بعد القصف بحجة طول مسافة نقلهم إلى القاهرة وتصر على مجيء الأطباء المصريين والسعوديين وكل من أراد معالجة الجرحى تصر على مجيئهم إلى غزة لإثبات حضورها وسلطتها . ومازال الدم الفلسطيني الزكي يراق على أرض الميعاد ومازالت المواقف السياسية والأيديولوجية تستغل هذا الدم لخدمة توجهاتها السياسية والأيديولوجية ، ومازال بعض الطيبين يدعون إلى موقف عربي موحد ، ومازلت أكرر مع الشيخ محمد عبده ( لعن الله ساس ويسوس وسياسة ) .... والله المستعان د سليمان الضحيان أستاذ جامعي [email protected]