الليبرالية أمكنة جديدة إن سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام الاشتراكي هناك ، أتاح المجال للرأسمالية الغربية ممثلة بالولايات المتحدة فرصة تاريخية لنشر نظامها التي رأت أنه النظام الوحيد الذي يستحق أن يمارس وأنه السبيل الوحيد لتقدم الشعوب ، فهي تسعى لنشر قيم الديمقراطية والتبشير بالحرية ، تزامن ذلك مع ذوبان الحدود بجميع أشكالها بين الدول فيما يعرف بالعولمة بأشكالها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية من خلال ثورة الاتصالات والبث الفضائي ، وإنشاء منظمات عالمية كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. مما أثر على النخبة المثقفة في بلدان العالم الثالث فضلا عن عامة الناس. ولذلك علت بعض الأصوات في أمكنة جديدة من العالم العربي كدول الخليج العربي ومنها المملكة منادية ببعض الإصلاحات الدستورية وبمزيد من الحريات وحقوق الإنسان . ولم يعد مستغرباً وجود من يصنف بأنه ليبرالي . وبطبيعة الحال هذا التصنيف فكري بالدرجة الأولى ، يتجه إلى أصوات متفرقة ومتناثرة هنا وهناك تعبر عن أراء أكثر انفتاحا ولا تصل إلى درجة تيار سياسي أو حتى فكري واضح المعالم . وإن كنا نجدها أكثر تبلورا في دول أخرى كالكويت والبحرين. الليبرالية العربية : صعوبات وعقبات واجهت الليبرالية العربية كثيراً من التحديات والأزمات والعقبات . ومنها ما ذكره النقيب من أن السياسة أجهضت مشروعات الليبرالية حيث أجهض القوميون التقليديون أمثال ساطع الحصري ، وزكي الارسوزي ، وانطون سعادة ، الإنجازات الفكرية المتسامحة التي توصل إليها الجيل الذي سبقهم من علمانيين ورجال دين متنورين من أمثال لطفي السيد ، وطه حسين وأتباع الإمام محمد عبده كما لعب العسكر دورا كبيرا في القضاء على الحكم المدني بالتعاون مع المثقفين العقائديين، ثم تحالف العصبيات القبلية مع التيار الديني. نقد الليبرالية العربية أشرنا عندما تحدثنا عن المفهوم إلى النقد الموجه إلى الليبرالية بشكل عام ، إلا أننا هنا سنشير إلى بعض النقد الموجه إلى التيارات والحركات والأحزاب العربية التي نظّرت لهذا المذهب ومارسته ... فضلا عن اتهام الاتجاه الليبرالي العربي بالتبعية للغرب يورد هلال عدد من المشاكل التي ارتبطت بنشأة وتطور الفكر الليبرالي في البلاد العربية وهي: 1- غياب نسق الثقافة السياسة ، ونمط المعتقدات المناسب. مثل قدرة العقل ، والفردانية ، وحقوق الإنسان ، والمشاركة ... 2- تداعيات الحياة السياسية في أغلب البلاد العربية بما تركته من آثار سلبية على الأحزاب التي ارتبطت بالليبرالية مثل: . الانقسامات التي حدثت في تلك الأحزاب . اشتراك تلك الأحزاب في ممارسات مناقضة للشعارات التي رفعتها . تضافر قوى وأحزاب أخرى مناهضة للفكر الليبرالي. من منطلقات مختلفة دينية وقومية وماركسية .. حيث اتهمتها تلك القوى على مستوى الفكر بعدم التعبير عن مصالح الفئات الاجتماعية الصاعدة في المجتمع ، كما اتهمتها على صعيد الممارسة بعدم قدرتها على استكمال مهام الاستقلال الوطني ، أو تحقيق الرفاهية الاجتماعية لأغلبية المواطنين. 3- ما يتعلق بالسياق الاجتماعي والاقتصادي للخبرة الليبرالية في أغلب الدول العربية ، فقد ارتبطت أفكار الديمقراطية الليبرالية بطبقة كبار ملاك الأراضي من ناحية ، وبعض عناصر الطبقة البرجوازية التي كان من مصلحتها تبلور السوق. ولكن هذه العناصر البرجوازية لم تكن من التبلور أو القوة بما يسمح لها بتطوير البنى التحتية ، كما حدث بالنسبة لتطور الرأسمالية في أوربا الغربية . ومن ثم فإنها لم تستطع القيام بالدور السياسي والثقافي الذي قامت به البرجوازية الأوربية. ومن العيوب التي رآها حليم بركات في الاتجاه الليبرالي: 1- التبعية للغرب أو ضعف الاستقلالية الثقافية والسياسية والاقتصادية وتحمسه للغرب على الرغم من مدى التهديد الذي يمثله للشعوب الأخرى. 2- لم تأخذ البرجوازية موضوع تحقيق العدالة الاجتماعية بجدية، مما جعلها أقل رواجا لدى فئات الشعب الأخرى. بالإضافة إلى هذا النقد الموجه للاتجاه الليبرالي العربي والمتمثل في انحيازه للمصالح الفردية للأفراد من شريحة معينه ، وتجاهله لحاجات ومطالب الطبقات الدنيا في المجتمع ، فإن كثيراً من التيارات السياسة والفكرية خاصة الاسلاموية وكذلك الإنسان العربي العادي المتشبع بالرؤية الإسلامية للوجود ينظرون بعين الريبة والشك لليبراليين بوصفهم منسجمين مع المنظور الغربي الليبرالي ومنسلخين عن تراث أمتهم وغير متدينين ، وكثيرا ما يوصفون بالنخبة التي هي ضد الأهل ، وأنهم يهددون حصوننا من الداخل.. وعلى كل حال لم ينجح التيار الليبرالي في فرض وجوده في العالم العربي مثله مثل التيار القومي والاشتراكي بل نكاد نقول والاسلاموي لولا أنه لم تتح له فرصة كافية للتطبيق عدا فترة بسيطة في السودان من خلال مجموعة الترابي التي جاءت بعمر البشير حاكما ، ولم يكتب لها النجاح لعوامل كثيرة منها التدخلات الخارجية عبدالله العرفج [email protected]