قبل مايزيد عن عقد ونصف من الزمن شاركت مع وفد رسمي متجها لليابان في زيارة رسمية . كان عدد أعضاء الوفد تسعة أشخاص اعتذر منهم إثنان من كبار المسؤولين وبقي منهم سبعة هم رئيس الوفد وخبير تعليمي والبقية كانوا يعملون على وظيفة مديري مدارس بالمرحلة الثانوية في بعض مناطق المملكة كنت أحدهم . كان الغرض من الزيارة الاطلاع على إمكانية توظيف التقنية بالمرحلة الثانوية في التعليم وكان عمر كافة المشاركين آنذاك في حدود الثلاثين عاما . من الأمور التي تم رصدها خلال هذه الزيارة الاهتمام الشديد الرسمي والشعبي في المجتمع الياباني بمجال االخبرة وجعلها بمكانة تفوق مكانة المؤهل العلمي . فالموظف مثلا يتدرج من أسفل السلم الوظيفي لينتهي في الأخير على وظيفة قيادية في كافة المجالات تتناسب في درجتها مع عدد السنوات التي أمضاها الموظف في حياته الوظيفية . ولذا يندر أن تجد شابا يافعا في مقتبل عمرة على وظيفة قيادية إدارية وكأن الأمر يفرض أن يمر على جملة من المواقع والتجارب . في إحدى الجلسات التي تمت بين الوفدين أثناء الزيارة بدأت الجلسة بالتعريف با لفريقين المشاركين في أحدى المواقع العلمية حيث بدأ الأمر بالتعريف بأعضاء الوفد الياباني المضيف متسلسلا حسب المكانة ثم جاء التعريف بأعضاء الوفد السعودي وكان الملفت في الأمر استغراب رئيس الفريق الياباني من أن جميع مديري المدارس المشاركين في الوفد السعودي هم من صغار السن وأن المفترض في نظره أن يكونوا من الكهول وأن يكونوا قد مروا على جملة من الوظائف والمهام التربوية قبل أن يتبوأو هذه الوظيفة لأنها مسؤولية تتطلب الأناءة والخبرة وأنها مرتبطة بأخطر مراحل حياة الشباب وفي موقف آخر ومناسبة أخرى يذكر بأن أحد كبار المسؤولين في المملكة رأس وفدا لزيارة اليابان من أجل جلب خبراء للتدريب على برامج تقنية في دائرته وكان قد وضع على أجندة التعاقدشرطا أساسيا يتمثل في ضرورة تحقق المؤهل العلمي العالي للشخص للمختار للتعاقد معه كدرجة الدكتوراه وما يفوقها . لكنه فوجئ بأن غالبية الذين تم طرحهم للترشيح من المتميزين لا يحملون الشهادات الأكاديمية العليا لكنهم يتصفون بالخبرة التي تميزهم عن غيرهم . أجزم بأن هذا التصنيف والإنتقاء في توظيف الخبرة قد أكسب ميدان العمل في اليابان جملة من الخصائص في مقدمة ذلك الاحترام والتقدير للعمل والإنتماء له وللفنيين والتفاني في النجاح من أجل الوصول لهذه السمة . والسؤال الذي يمكن أن يثار في هذا المقام . هل هذه الرؤية سليمة وتحقق النجاح في البرامج العملية أم أنها رؤية خاصة بالمجتمع الياباني لا يمكن نهجها ؟ في تصوري أن تلك الرؤية تسهل القضاء على المشاكل المتكررة كما تحول دون الوقوع في الملاحظات وتساعد على الاستقراء الدقيق والتخطيط الواعي لمسار العمل ... وللأخوة القراء إبداء الرأي والتعليق . عبد الرحمن بن صالح المشيقح www.newarabedu.com