حينما أكتب عن معالي الدكتور والوزير والشاعر المرهف الحس غازي بن عبدالرحمن القصيبي لم أكتب عنه من أجل أنه اعتمر كوفية النادل في مطعم ليحث شبابنا على الكسب من عرق الجبين وقبول المهن الخدمية، ولم أكتب عنه حينما نادى بصوت عالٍ لإقامة أسواق نسائية 100% لتكون أكثر حرية لهن في قضاء حوائجهن، فاصطدم بواقع مرير أبطل الفكرة من بدايتها، ولم أكتب عنه حينما نادى بالقضاء على فوضى التأشيرات وتركيزها على ما يفيد الوطن والمواطن فلم يستطع تغيير واقع نعتبره شرًا لابد منه. أكتب عن غازي القصيبي مجردًا من كل الألقاب، سوى لقب التواضع وإنكار الذات وقول الحق مهما كان ثمن ذلك، كيف لا وقد مرَّ على وزارتين وسفارتين، ترك في كل واحدة منها أثرًا لازال باقيًا، والوزارة الثالثة لازال يدافع فيها من أجل القضاء على الروتين والمحسوبية، لكنه سوف يتعب. ولقد ذكر لي من أثق به أن الدكتور غازي حينما كان وزيرًا للكهرباء كان يأتي مبكرًا ويمرُّ على مكاتب الوزارة أو بعضها بكل هدوء، بل يسلِّم على الموظفين إذا دخل إلى أي مكتب، دون أن يتبعه جيش من السكرتارية وبدون بشت، ثم يلقي نظرة على المكاتب، فإذا لمح مكتبًا فارغًا وعلم أن صاحبه قد تغيَّب، وقف أمامه بكل هدوء وقال لزملائه: ما اسم هذا الموظف؟ فإذا أجابوه، أخرج من جيبه ورقة وقلما وكتب عليها (أخي فلان... حضرت إلى مكتبكم الساعة الفلانية فلم أجدكم... أخوك غازي القصيبي). يقول محدِّثي : فإذا جاء الموظف ورآها، تأثر كثيرًا والتزم الحضور والجدية بل وافتخر بورقة الدكتور غازي وهي تحمل عتابًا له، وهذا هو الفارق بين أسلوبه وأسلوب غيره، إذ إني أعتقد أن الكثيرين من المدراء يعانون الأمرَّين في القضاء على تسيب وغياب موظفيهم. لقد قرأت كتابه المعروف (حياة في الإدارة) أكثر من مرة، وفي كل مرة أخرج منه بجديد، وكأني لم أره أو أقرؤه من قبل، حيث حمل معاني رائعة ووقفات تسجَّل بمداد من ذهب، وقال كلمات وعبارات كان يدين بها نفسه، لكنه لم يأبه بذلك، بل وكان يخسر موظفين تحت يده خصوصًا وأن معظم الوزارات التي تسنَّمها خدميَّة، كيف لا وهو من قال عبارته المشهورة والتي يتناقلها الجميع حيث قال: (لو قضينا على البيروقراطية والروتين لاستغنينا عن نصف موظفي الدولة). إنني أؤكد للجميع أن أي معاملة تطَّلع عليها وتجد فيها أكثر من عشرة تواقيع وتأشيرات فاعلم أن أوَّل من أشَّر عليها هو من أعدَّها وحبكها ونسخها وأبدى رأيًا فيها، بل لا أبالغ إذا قلت إنه أصغر الذين أبقوا أثرًا فيها منزلة ووظيفة. ولقد شهدت معاملة بقيت في درج أحد الموظفين شهرين كاملين، كل ذلك من أجل أن ينظر إليها بعد عودته من الإجازة نظرة لا تستغرق سوى دقيقة واحدة فيؤشِّر بأرنبة أنفه إلى أحد الموظفين المجاورين له ويقول لصاحبها: أعطها فلانًا، دون أن يخط حرفًا واحدًا على أي ورقة منها. ومن هنا فإني أطمئن الدكتور غازي القصيبي بأن ما كان يطلبه قد تحقق ولله الحمد في عدد من إداراتنا الخدمية ولازلنا ننتظر المزيد، حيث إني ذهبت بعد غياب يقرب من العشر سنوات إلى إدارة الأحوال المدنية في مدينة بريدة من أجل تجديد بطاقة الأحوال والحصول على الهويَّة الوطنية، وكذلك تجديد دفتر العائلة والحصول عليه بشكله الجديد والجميل، ولقد حرصت على أخذ الاحتياطات اللازمة لمزيد من الوقت الذي قد يستغرقه ذلك، لكنني تفاجأت أني تسلمت بطاقة الهوية الوطنية خلال ثلاثين دقيقة ودفتر العائلة خلال ساعة فقط، حيث دخلت الإدارة الساعة التاسعة صباحًا وخرجت منها الساعة الحادية عشرة صباحًا، ولأن دم الصحفي المتمرِّد يجري في عروقي، ولأجل أن أقول أيضًا للمحسن أحسنت، فقد مررت قبل أن أغادر المكان على الأستاذ سليمان البحيري مدير تلك الإدارة، لأقول له شكرًا لك وللمخلصين أمثالك، فتفاجأت به يقول إننا نستخرج يوميًا عدد أربعمائة بطاقة هوية وطنية، كما أننا ننهي ألفًا وخمسمائة معاملة. بعد ما شاهدتُ أبعث صورة لذلك مع التحية لسعادة الأستاذ ناصر الحنايا وكيل وزارة الداخلية للأحوال المدنية، ولرأس هرم الوزارة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية الذي يقود دفة هذا التطوير الذي سبق أن رأيناه في إدارات الجوازات وننتظره في بقيتها. فتحيةً للرجال المخلصين في أي موقع نجدهم من وطننا الغالي. وأسعد الله أوقاتكم عبد الرحمن بن محمد الفراج [email protected]