حتى قلمي ( صُنع في الصين ) عندما نُدون الأشياء والحقائق والجغرافيا المتقطعة في خيالنا فإننا نربط أدقها بصفة دائمة نجلبها لخيالنا عندما تُذكر . ربما ما أعاد الروح لإعجابي القديم بتلك البلاد هو الاوليمبياد ، عندما أرى الصين كعنوان في قلب أي صفحة إخبارية أو أي حديث أولمبيادي أو حتى لمجرد رؤيتها مطبوعة في ظهر منتج أجبرني فضولي لمعرفة مصدره ! فأن ذاكرتي تجلب دائما نقطة واحدة ، هي(عدد سكانها الهائل) بل والمتزايد سنوياً والذي يتخطى المليار بكثير ،، هذه الصفة أتأملها في كُل مرة يشير فيها عقلي إلى خارطة الصين ربما لأنها كانت المعلومة الأولى التي تلقفتها في صغري عنها . كانت الصين تلفتني كثيرا ،،من بين دول شرق آسيا بل وكنت دائمة التساؤل : عدد هائل وفرص كبيرة يحظى بها ذلك الشعب !! عجباً للنهضة التي تبتسم لها كُل الأعداد بل وتفتخر بها ، نهضة تستمر إلى الأمام ولا تعود إلى الخلف أو حتى تتوقف بالرغم من ازدياد العدد مقاومتها لازالت موجودة تتصدى للأزمات وتدرسها جيداً بقيادة اقتصادية تعرف جيداً كيف تستغل العولمة !! كنت دائماً أشعر بسلطتها الإنتاجية في محيطي فكلما أزيح الستار عن قطعه أقتنيها أو جهاز إلكتروني أو خشبي أو بلاستيكي، أجد عبارة \"صنع في الصين\" .. فينتابني شعور بالغيرة الشديدة لتستبدل مخيلتي الحالمة جداُ حروف الصين بحروف وطني كخيال عابر وحلمٌ قديم يتجدد .. وصلت إلى قناعة هي ربط بين هذه الأعداد وبين استغلال كُل نقاطها وفواصلها كثروة بشرية مفكرة ومنتجة ، قناعة اليد العاملة التي استغلتها الصين في مصانع تنتشر بين تضاريس تسعة ملايين كيلو متر مربع ، تتعاون في كُل دقائقها مع حدودها ومع دول أنظمت إلى منظمة التجارة العالمية ، وجدتها إنتاج لا يتوقف وحلقة تدور وتخطيط تتوازن فيه اللحظة مع المستقبل . الفرص لا تبخرها الأعداد التي تنتظر.. !! بل من الممكن أن تصنعها ..... في الصين أكثر من تسعون مليون فني وتقني تم تدريبهم مع \"خشية النقص في الكفاءات الفنية بالبلاد\" ، وفي وطني مؤسسة رائدة للتعليم الفني يتدرب داخلها الآلاف مع \"خشية النقص في فرص العمل\" ، فنيوها بانتظار مجال لا يصنعه إلا كفاءات تغار على الوطن و تدفع عجلة الاقتصاد ، كفاءات تعرف الطريق إلى الاستفادة من تجارب الآخرين ! كفاءات تشعر بالمسؤولية تجاه أبناء الوطن لا أُناس تكتفي بالظهور أمام الشاشة لتقول لنا بأن الحلاقة شرف والسباكة شرف ناهيك عن آخرون يعبثون تجارياً !! وطني هل فرضت توظيف الإعلام لترسيخ الفكر الصناعي والإنتاجي في مجتمعنا يا وطني ؟ أو ليست مسؤوليتك القيادية..!! أم أن الإعلام لازال يساعد المجتمع على تكذيب ما يأتي به مدير تلك مؤسسات الفنية ! ليدون عوارضها الإدارية ويتجاهل ريادتها في قيادة الفكر المجتمعي إلى قمم التنمية وليساعد المجتمع على الهوس أكثر بمصطلح \"وظيفة\"، لتظل لبنات المجتمع بأفكارها النظرية وتغيب المشاريع الصناعية التي تبدأ صغيرة ويظل الوعي بأهمية المشروع الإنتاجي الصغير غائباً .. عندما نلقي النظر إلى أوضاع البلاد الراهنة فإنها سلسلة من المشكلات المرتبطة ببعضها عبر حلقة تتوقف على الاقتصاد ، عندما نخشى انهيار أمن مجتمع كأفراده المراقبون لجديدة وغريبة وحزينة ، ويشعر بعضنا بالارتباط بين البطالة والجريمة ، ونتطلع إلى أوضاع مادية أو حتى اجتماعية أجمل وإلى استقرار كفيل بالتوازن فإننا نبحث عن الأساس والأهم هو اقتصاد يفتح لنا المجال والفرص اقتصاد يجعل الأيادي التي تمتد إلينا لتطلب العون ،تتحرك أمام جبروت عمل يُشرف البلاد ويخدمها !!! عندما تسمع صوتاً حزيناً فإنها الأحلام تحتضر يا وطني ... . . وطني لماذا يبحثون خلف الواسطة ؟ سؤال إجابته واحدة : لأن المجال دائماً محدود... لم ألمهم يوما ، بل كثيرا ما اعتقدت عدالة ذلك لأن الكُل يبحث فإن كان هذا الباحث مُستحق وجدير بالأفضل فمن حقه الحصول على أحلام وُعد بها ولم يجعله الحاضر يلتقيها إلا بالواسطة ! وإن لم يكن كذلك فتلك مسؤولية إبقاءك لمن يتفنن بإستخدامها ،ومسؤولية الأحضان التعليمية بمستوياتها المُختلفة والتي تتصل بها يا وطني مع أفرادك منذ سنواتهم الست ،، فكيف بالسنوات تمضي به ليأخذ البعض شهادته الجامعية دون أن يميز حق كحق المفاضلة ! لم اكره الوساطة لأن غياب الفرصة لابن الوطن المستحق هو غياب للمسؤولية الاجتماعية في قطاعنا الخاص ، وغياب الموازنة بين الاحتياج والمخرجات التعليمية في قطاعنا الحكومي وغياب للمجال أيضاً . أريد أن أعرف التاريخ الذي ستتغير فيه المفاهيم التي تنمو دواخل الطلاب في صفوفهم الأولى والأخيرة ، كيف سيرتقون بالتنمية برفقة الوطن وما هي المادة التي ستدرسهم اللبنة الأولى للاقتصاد ؟ إنها ثقافة قبل أن تكون مادة ، إنها فكر مجتمع قبل أن تكون صناعة ! أريد أن أعرف التاريخ الذي ستتنوع فيه المجالات ؟ وتتناسب فيه الإمكانات! وجدت أننا دائما نخشى أن لا نكون في القائمة ، وأننا نشعر بالمحدودية! وننسب غياب الفرصة لكثرة العدد، ولكننا نُخدر بها كمبرر لمرحلة حرجة نعيشها يعود زلزالها إلى الافتقار لحلقة تخطيط واضحة ومدروسة في الخطط التعليمية والتوظيفية والتقنية والاقتصادية .. عندما عادت الروح القديمة لإعجابي بالصين وكنت أقارن الأعداد البشرية في عمق عقلي ، وقبل أن أضع نقطة النهاية لبوحي كُنت ألمح في قلمي الجاف \"صُنع في الصين\" ،، فعادت الغيرة مجدداً وبكيت بخجل وابتسام وتمني أمامه...!!! تحية لمن يقرأني ألقاكم في حلم جديد