من قواعد الإسلام المتينة أن لكل فرد من الناس الحرية في تنمية أحواله ولكن في الحدود الشرعية المعترف بها والإسلام لا يدع هذه الحرية مطلقة هابطة حيث أن وراء مصلحة الفرد مصلحة الجماعة والإسلام في هذا يسير مع قواعده الخلقية كما يسير مع مبادئه العظيمة والشاملة في منع الضرر حيث لا ضرر ولا ضرار ، من غشنا فليس منا . وقاعدة الإسلام العامة تقول لا كسب بلا جهد كما أنه لا جهد بلا جزاء ، واحتكار معايش الناس وضرورات حياتهم لا يعترف به الإسلام وسيلة طيبة من وسائل الكسب الشريف النظيف العفيف ( من احتكر فهو خاطئ ) رواه مسلم . والاحتكار له صور وضروب شتى القصد منها التضييق على الناس والتحكم في ضرورات حياتهم من مأكل وملبس ومشرب ومركب , وكل عصر ومصر له أحواله وضروراته وأحكامه ، والإسلام وضع قواعد عامة متينة تحقق مصلحة التاجر والفرد والجماعة ، وإذا قلنا إن الإسلام كفل للمسلمين الحرية في تنمية المال في الطرق الشرعية فإن الاحتكار إهدار لهذه الحرية فالمحتكر الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم خاطئاً لا يسمح لسواه أن يجتلب ما يجتلبه أو يصنع ما صنعه .. لذلك يضيق على الناس ويتحكم خاطئاً بالسوق حيث أنه بفعله هذا يفرض على الناس ما يشاء من أسعار فيضيق عليهم ويكلفهم عناءً ومشقةً وجهداً وهو بهذا العمل مضار للأئمة متحكم في أرزاقهم ومضيق عليها في معاشها كذلك هو في فعله الخاطئ هذا يقفل أبواب التجارة النظيفة وأبواب الفرص الشريفة على الآخرين ، والمحتكر يسد الموارد ويقفل المنافذ بدعوى ومسميات كثيرة كلها تدخل تحت مسمى الاحتكار ، والمحتكر يحاول جاهداً سد أبواب البضائع الأخرى ما استطاع وبطرق كثيرة حتى يتمكن من فرض سعر إجباري لا يطيقه الكثير. قال عليه الصلاة والسلام( من أحتكر طعاماً أربعين يوماً فقد بريء من الله وبريء الله منه ). مسند أحمد . وليس من تربية المسلم ولا منهجه الخير أن يضار المسلمين ويشيع فيهم الخوف والعوز والحاجة وليس من منهج المسلم أن يزيد ثروته على حساب أخوانه المسلمين خاصة وقت الحاجة وارتفاع الأسعار أو في شهر الصوم المبارك ، ونحن في عصر تعددت فيه وسائل الاحتكار وتعددت فيه حاجات الناس وكثرت ضروراتهم وما كان في الأمس نافلة أو كمالياً أصبح الآن ضرورة ملحة والأمثلة كثيرة تشمل الطعام والشراب والغذاء والكساء والمركب وغير ذلك ، والاحتكار في نظر الإسلام يوجدُ قوةً طاغيةً وباغية ومتحكمة في أرزاق المسلمين وضرورات حياتهم والمحتكر لا يستمد هذه القوة من الجودة والإتقان وحسن الخدمة ، وكفايتها وكفاءتها ولكن يستمدها من وجود أسباب معيّنة في يده مثل وجود السلعة بين يديه أو وجود عقد الامتياز عنده كما هو واقع ومشاهد الآن ما تعمله جهات الاحتكار في شتى مرافق الحياة ، والناس قد يكونوا عاجزين عن الوقوف في وجهها لأنها تتخذ وسائل عديدة هي أقدر عليها من المستهلك والاحتكار يحدث خللاً في الأمة حيث يختل التوازن المطلوب في المجتمع المسلم لأن الاحتكار وسيلة سيئة وخسيسة لتضخيم الثروات بأيسر جهد ممكن ، وواجب المسلم دوماً التعاون مع إخوانه وتيسير سبل معاشهم وخاصة التاجر الذي أعطاه الله مالاً ووسع عليه في رزقه والذي يفترض فيه النظرة الجماعية والتخلص من الفردية والأنانية والجشع والطمع وحب الذات ، والإنسان أحياناً بفرديته قد يصل إلى إيذاء نفسه وإيذاء الآخرين فلا تَحرُّج ولا ضابط ولا رابط لنشاطه الزائد عن الحد يطلق لنفسه عنان الطمع والجشع والهفوات والأهواء وعظيم الأخلاق والأعراف والتقاليد ولا يعترف بحق أحد في ضبط سيره ومساره ويحول جهده ونشاطه وقدراته وميزاته وأمواله إلى أداة خسيسة لاستغلال الآخرين وامتصاص جهدهم وعرقهم ويحوله إلى تمول غير نظيف ولا شريف وإذا كان الإنسان فردي النزعة أساء إلى نفسه وإلى غيره وتحجر واسعاً وضيق على الأمة ، وإن النزعة الجماعية هي الأصل في قواعد الشريعة الغراء والفرد بحاجة دوماً إلى الجماعة .. إذاً فالنزعة الفردية سيئة ومسيئة للأمة والإسلام بتربيته الفذة يريد شخصاً متوازناً في فرديته وفي ميله إلى جماعته متعاون معها وبهذه التربية المثلى تصبح الأمة ويصبح المجتمع أشخاصاً حقيقيين لا أصغاراً غير معتبرين والإيمان الصادق والتربية المثلى هما اللذان يلينان قلب هذا الإنسان الصلد النكد أحياناً ( والذين تبوأو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) إنها وسيلة مثلى للتربية الصحيحة بعيداً عن الهلع والطمع إنها تعرض نموذجها جميلاً لهذا الإنسان إنه إيحاء يَعْملُ عمله في نفس هذا الإنسان ليحاول دوماً أن يكون مثل هذا الأنموذج الحي الجميل المعروض دوماً للقدوة والتأسيس والاعتبار , إن شهوة التملك والتموّل بغير حق تستذل هذا الإنسان فينطلق معها إلى غير مدى ويصبح منقاداً لما يُسْتَعبْدُ له لا يملك نَفْسَهُ ولا يحررها إنها ألوان من المخالفات لا تصدر عن فطرة سليمةٍ ولا تربية كريمة إن منهج الإسلام في التربية لهذا الإنسان أنه لا يكبت رغائبه ومطالبه فلا تعمل ولا تنتج ولا تفيد ولا يطلقها هملاً بلا ضابط ولا رابط والإسلام يتناول هاتين الطاقتين أو القدرتين أو الرغبتين فيضع كل واحدة في مكانها الصحيح فتسير الحياة سيراً معتدلاً وتنعم الأمة بخيراتها وثرواتها والإسلام يريد دوماً أن تكون هذا الإشراقة منهج حياة لا فَلْتةً عابرة يريد أن يزكي دوماً الشعلة النفسية في نفسه فيحب إخوانه ويرفق بهم ويعمل دوماً لما فيه مصلحتهم بعيداً عن الأثرة والأنانية وحب الذات.فهل يا ترى يعي البعض من أصحاب السُّعْر المادي فَيَرْفُقُوا بإخوانهم ويوسعوا عيهم في أرزاقهم ولا يضيقوا عليهم برفع الأسعار خاصة في شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ووقت الغلاء والشدة في سائر أيام العام ، أرجو ذلك بحول الله.