التعليم حينما نشأ في (أوروبا) لم يُفتتح كما تفتتح «الدكاكين» بل سَبقته مخاضات استمرّت لحقبٍ طويلة، أثمرت عن (أجهزة التعليم الجماعي) ذلك النوع من التعليم الذي اختلفوا فيه فبعضهم مازال ينظر إليه نظرة ازدراء، لأن التعليم- خاصةً حينما يزعم البعض أن المدارس تنتج (المخترع) وتصنع (العبقري) كما يصنع (التمثال)- لا ينتج عبقرياً.ذلك أن المتعلم ربما يكون فاقهاً لمعنى لعبة التعليم فينجح بكافة المراحل بمعدل متميز بينما يظلّ عقله بلا حراك لا ينبض بالأسئلة ولا تحرقه الإشكالات، وعينه على «سوق العمل». هنا نعلم أن التعليم قد يصبح مفهوماً بشكله الحالي إذا كنا نريد من التلميذ أن يكون مجرد سدّ جامد لفراغ عملي، كأي عامل آخر، بينما لا يمكن أن يتحوّل التعليم إلى منجم لعقول ثمينة في ظلّ التردي المؤسساتي للتعليم على مستوى الكوادر التي تدرّس أو الميزانيات التي لا أثر لها في الواقع، وكأن مهمة التعليم تحوّلت من ادعاء حماية عقل الطالب من التشويش إلى الإمعان في ممارسة التشويش. إن مشكلة التعليم في المملكة لا تنفصل عن مشكلات التعليم في العالم العربي، لأن كل العالم العربي رأى في التعليم حلاً لعقد «التخلف» ولم نعلم بعد أن التخلف لا يُطمس بمجرد أن يصبح أغلب المجتمع قادراً على القراءة والكتابة، والمدهش أنني حينما تمعّنت في دراسة الصادق النيهوم التي كُتبت قبل أربعين عاماً من الآن أجد نفس المشكلات –وزيادة- في «التعليم»! إذ ليست المشكلة في أعداد المتعلمين بل في السؤال الأبرز ماذا أضاف التعليم للحياة؟ لقد أصبحنا وسط جيل مغرق في «النرجسية» نظير شهادات يحملها ظنّ غباءً أنها بمثابة إعلان عن نهاية الأسئلة، ولم يعرف أن (الشهادة) لا تختلف عن أي رخصة عمل أما شهادات التدكتر فهي لا تعدو أن تكون شهادة شكر على (مؤلفات) لا يمكن أن تكون حاكمة لحياتنا وواقعنا، وجرّت تلك الشهادات بعض العاطلين الذين يئنون من النشوة بشهاداتهم للتحكم بواقعنا. نلاحظ دوماً أن الجيل القادم لاحظّ له من أي نشاط! فكل المناصب الثقافية والتعليمية والحكومية وكل مصائر الحياة يتحكّم بها الجيل السابق، وكأن مهمة الإنسان تبدأ مع شيخوخته، خاصةً وأننا نرى الإهمال الفاضح لكثير من «الطاقات» العلمية المتميزة ونراهم على وظائف غبية لا تتفق وتخصصاتهم وعقلياتهم، بينما نرى من تزعم مؤسسات التعليم أنهم من الموهوبين في محميات تدعي أنها ترعى الموهوبين، بينما هي لا تعدو أن تكون محميات لضخّ «النرجسية» و «ملاجئ» للفارغين ومحطات للاستعراض والتجمّل والتظاهر بمكافحة التخلف. نحن أمام موازين مقلوبة في معادلة التعليم. وهي حقيقة بالرصد والكشف في واقعنا الحالي الذي أعتقد أن الكثير من مشكلاته هي (مشكلات ثقافية)، بينما يرقص حرّاس اللحظة الراهنة من الذين نهشوا من التخلف وساهم الانحطاط التعليمي في نموّ أجسادهم يحرسون هذا الواقع المرير ونرى مؤسسات البيروقراطية تحكم كل صغيرة وكبيرة في جوّ التعليم عامة. وبكل وضوح نحن وسط استعراضات (كوميدية) جديرة بالالتقاط فالبدائية في تصوّر الجمهور جعل من بعض الأدعياء يمارسون التعالم بشكلٍ صارخ، فمن يحفظ (10 قصائد) عن ظهر قلب يصبح من الموهوبين الذين يجب أن توضع لهم تماثيل في بلدانهم، وأن تصرف ميزانيات متعددة لحمايته من (التشويش) وهكذا أصبح (العقل) مجرّد عملة تالفة وسط تلك الرداءة من التصورات والعقم من الاعتقادات والقناعات الهابطة. كثيرون يفرحون الآن بهذا الوضع المتردي الذي صنعه التعليم والانحطاط الثقافي بعامةً ويستغلون الفرصة لاستحلاب ما أمكن من المصالح الشخصية والذاتية لم تكن «المسألة» التعليمية مجرد مشكلة نظرية كما يتوهّم البعض، وحلها ليس بزيادة مساحة الملاعب. وتطوير (المقاصف) وإنما بعمل دؤوب لإعادة النظر في (موقع العقل) من العملية التعليمية. ورصد الجرائم التي تمارس لقبر (العقل) من قبل بعض المعلمين في المدارس والكليات. وأرجو من أكبر مسؤول في التعليم في أي بلد عربي أن يضع هذا السؤال نصب عينيه، ماذا تريد من (التعليم) وفق استراتيجيتك الحالية؟ وماذا خسر الناس بانتشار التعليم؟ وأخيراً فإنني أشعر بالإحباط كلما أمعنت النظر بتلك الكائنات التي تلفظها المدارس والكليات يومياً، وتستهلك الملفات الخضراء بحثاً عن وظيفة، وأشعر بالإحباط حينما نجد «التعليم» يتحوّل إلى أشياء كثيرة ليس من بينها (التعليم العقلي) واستثمار العلوم الإنسانية الحديثة للأخذ بدفّة الحياة إلى أمان المعرفة، في ظلّ توافرنا على ميزانيات تعليمية باهضة تصرفها الدولة لا نرى لها أثراً على واقعنا التعليمي، ها نحن نرى الآن مرافق الحياة تعجّ بالمتعلمين ولكن أين التعليم من تشكيل «السلوك»، أين أثر العباقرة المزعومين، الذين من المفترض أن يظهر أثرهم جلياً، وبحسب الباحثين في فلسفة (ديكارت) (فإن فرنسا حتى في شوارعها أخذت صبغة «ديكارتية») وكانط ذلك الفيلسوف المذهل كان –حتى-لربطه لحذائه (منحنىً نظري) نحن لا نريد تحويل المجتمع إلى (مدرسة فرانكفورت) وأنى لنا ذلك، وإنما نريد الحدّ الأدنى المقنع من النتائج التعليمية التي يمكن أن نشاهدها في مناشط الحياة.والكفّ عن تضخيم دور المدرسة النافع ومحاولة القضاء على أدوارها الضارة أولاً. فهد سليمان الشقيران [email protected] ============================================================== تعليقات الزوار خالد علي الدبيبي تحياتي الحارة للكاتب . أن التعليم لدينا هو ضرر علينا في وضعة الحالي فهو يزيدنا جهلاً . والطاقات المهدرة من الوقت والشباب والمال حقيقة وضعنا التعليمي أليم . أما البروقراطية الموجودة داخلة فهي فعلاً سبب فشلة وأما تجار الكراسي في داخلة لاأريد أن أتكلم (أحس بالغثيان). تحياتي للسلك التعليمي المبدع احمد الصبيحي كعادتك تجيد رسم الحرف من خلال المعلومة الصحيحة المنطقية .. دمت وفيا لوطنك بريداوي لكن من يسمع ويقرء ويتعلم من هذ ا الكلام