احتلال العقول افكار قلقة في واقع صعب مخطئ من ظن أن الإعلام بكل سيئاته المرئية والمسموعة والمقروءة هو الوحيد القادر على التلاعب بالعقول وتعزيز الاستلاب وفرض هيمنة على عقول الناس , أو أن الإعلام هو الوحيد الذي يساهم في نشر الكثير من السلبيات التي تقتل الإبداع والابتكار وتشجع على الخمول والكسل , ومع أن هذه حقيقة في وصف الإعلام , بأنه يحتل عقل المشاهد والمستمع والقارئ فيهمش القدرات الذاتية والإبداعية , إلا أن الوقت الذي يقضيه الطلاب مثلاً في مدارسهم أكثر من الوقت الذي يخضعون فيه للاستلاب الإعلامي , فمن ست إلى سبع ساعات يومياً طوال العام الدراسي , يتلقى فيها الطالب كميات هائلة من التلقين والترديد والحفظ , دون استيعاب ودون إعمال لعقل الطالب , إن هي إلا حشو معلومات في الاذهان يصبح عقل الطالب بعدها مجرد وعاء يتم ملؤه بالكم المعلوماتي , فلاحضور لأسئلة الطالب أو مداخلاته أو تربيته على النقد والمراجعة , فيجب على الطالب التسليم والاذعان وقبول كل مايقال له ويسمعه , هذا إلى جانب سلبيات المنهج التعليمي وهو ازدحام المواد وتراكمها والاستمرار في تقديم موضوعات دراسية تقليدية على حساب إيجاد مساحة مناسبة لموضوعات جديدة ومتجددة مثل ثورة الجينيوم البشري والاستنساخ والعولمة والثقافات الوافدة والهوية والانتماء والصراعات القيمية الاجتماعية ومشكلات تقبل الآخر والتعاون والتفرد، وغلبة الطابع النظري الذي ترتب عليه حشو عقول التلاميذ بالمعلومات التي ليس لها بالضرورة علاقة بحياتهم اليومية والمستقبلية, فسياسة التعليم وثقافة الصمت في المنطقة العربية، وأثر التعليم في تدعيم تلك الثقافة من خلال مناهج التعليم التلقيني الذي يتنافى مع مبدأ الحرية، ويتعامل مع العقول بسلبية، ويرفض الآخر ومن ثم يقمع رغبات المتعلم، ويطمس الروح النقدية والقدرة الإبداعية. وخلال ساعات الدرس لايوجد طالب يستوعب , إنما يوجد وسيط لنقل المعلومة يخضع خلالها لبرمجة ذهنية , تلغي ما قد يكون من فردية وقدرات وذكاء , ثم يأتي دور الإعلام ليجهز على الباقي . كذلك يأتي دور المنابر الثقافية الاسبوعية واليومية من محاضرات وندوات يؤمها الكبار من غير الطلاب , ليتفرد المحاضر بالسمع والطاعة والقبول لكل ما يقول , وهنا يتم مرة أخرى احتلال عقول الحضور , ليخرج الجميع نسخا مكررة وربما مشوهة عن صاحب المحاضرة , الذي قال في المحاضرة كل شيء إلا الجديد والمفيد , عبر اسلوب من الترغيب والترهيب والمراوغة وحيل تراكيب الجمل , فيخضع المتلقي والمستمع لغسيل الدماغ , فيزداد تهميشاً لذاته وكينونته . .. لم تكن خطب الجمعة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الاطهار , لم تكن المشاركة من جانب الخطيب أو من يعتلي المنبر فقط , لم يكن الحضور مجرد أوعية تلق فحسب , بل كانوا يداخلون الخطيب ( المحاضر ) ليسألوا ويستفهموا أو ليعترضوا , كان التفاعل حيّاً والمستمع إيجابياً , لذلك كانت عقول الحاضرين متفتحة للعطاء والنقد والمراجعة , حتى النساء يعترضن على الخطيب ويقاطعن الخطبة , لتصحيح معلومة أو طلب زيادة ايضاح , بمعنى أن حضور الخطب كان يربي الناس على النقد والاعتراض , ولم يكن الخطيب يأمر بالصمت المطبق ليؤسس القداسة لشخصه أو لكلامه , أما ماعليه خطبنا ومحاضراتنا اليوم فهي تؤسس وتربي الناس على السلبية , مما ينتج عنه احتلال عقول الحضور وتشكليها على هيئة مستعمرات يملكها الخطيب ويحتكرها , ومن هنا يتأسس تقديس الاشخاص بهيئاتهم ويصبح كلامهم وأفكارهم بمنزلة المقدس الذي لايجوز نقده أو مراجعته . إن اخطر التحديات التي تواجهنا هي أن الثورة المعلوماتية التي تخترق أساسياتنا وتحدث تغييرات هائلة في حياتنا يمكن أن تخلف فينا آثارا سلبية كبيرة تعصف بحياتنا الاجتماعية والفكرية والثقافية لأنها تحدث تحولات مادية هائلة في كل نواحي الحياة اليومية مع عجز واضح عن الاستيعاب الواعي لحركتها الاندفاعية فإن كان الإعلام يصعب التحكم فيه أو توجيه , خاصة بعد ثورة وسائط الإعلام والبث الفضائي والمعلوماتي من خلال شبكة الانترنت وتقنيات التواصل المرئي والقنوات الفضائية , وسهولة الوصول لكل انواع البث المرئي , واستحالة السيطرة على إعلام لاتملكه ولايخضغ لقانونك المحلي ولا يلتزم بتشريعاتك , وهو جاذب ومغر , ويتفنن في وسائل الغواية والتسطيح الثقافي , فإن السبيل الوحيد لإنهاء حالة اغتيال العقول واحتلالها هو إعادة النظر في مناهج التعليم وطرق التدريس , بأن تكون حافزاً لصناعة عقول تفهم وتستوعب وتفكر وتنقد , بدل أذهان ( أوعية ) سالبة و شخوص كرتونية هي مخرجات التعليم من الطلاب والطالبات , لا تنفع وطناً ولا تنتفع بعلم , بل تكون عبئاً على مستقبل التنمية , وإفراز يضر نفسه اولاً , أكثر مما ينفعها . ويصدق ذلك , أعني القدرة على التحكم وتوجيه وإعادة النظر - يصدق ذلك - حتى على المحاضرات والندوات والمنابر الاسبوعية في الثقافة والتوعية والارشاد , فقد صارت خططاً لإنشاء مستعمرات في عقول الناس , إن هي إلا حشو مقنن وخلو من أي ربط باهتمامات الحضور , ومجرد تكرار لما قيل مئات المرات . وصناعة عقول سهلة الأنقياد والاستلاب , ويمكن تمرير الاسطورة والخرافة من خلالها , لأنها أجبرت وعوّدت على الانصياع والقبول , ولم ترب على التمرد والنقد ورفض الاستماع السلبي , فالإعلام ليس وحده السبب الرئيس في احتلال عقول الناس وخلق دمى لا تفرق بين الاخبار وماوراء الاخبار , ولاتستبين الصواب من الخطأ ولا الحقوق من الواجبات , ولاتفرق بين الواقع الوهمي والواقع الحقيقي , بل يعزز هذا السبب الرئيس وجود مناهج تعليمية لها نفس العيوب والاخطار , وندوات ومحاضرات تنتج نفس سلبيات الإعلام الموجّه . عبدالعزيز علي السويد [email protected] ================================================================= تعليقات الزوار صالح اللاحم مقال واقعي رغم انني اتوقع ان لايتم فهمه بالطريقة الت يبحث عنها الكاتب لكن مضمون المقال جيد فاهم لكل منبر طريقته ومن الصعوبة بمكان ان نجعل المنابر متشابهه محمد عبد الرحمن أتمنى أن يكون الكاتب مسؤولا عن المناهج في التربية والتعليم لنرى القدرة التي يملكها ليوجد التفاعل الذي يقصده والمناهج التي تصنع ذلك .. ( مع أني لا أتمنى توليه مناهجنا حقيقة ). - ماذا يريد الكاتب في خطبة الجمعة ؟؟؟!!!!!!!!! هل يريد أن تكون حراج أو درس قابل للتعليق من أي طرف .. أم ماذا !!!!!!!!!! (أما ماعليه خطبنا ومحاضراتنا اليوم فهي تؤسس وتربي الناس على السلبية) هل ما ذكره الكاتب صحيح ، أم أنه يمارس هو في كتابته تلك السلبية في احتلال عقول قرائه ..... أسأل الله أن يصلح نوايانا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه0 منى المحمد منهجية التلقين هي من جعلتنا في آخر الصف اتمنى ان تتغير للافضل .. تحياتي للكاتب الربوه لايمكن ان نصنع منهجا بواقعنا الحالي مادام بعض العقول لاتحمل سوى اليات الماضي ..مستحيل ابو معاذ الا تعتقد ان الخطيب او المحاضر او الملقي يدرس نفسية وثقافة المتلقي اولاً. اي تجمع من المجتمعات المثقفه تكون ثقافتها من تعلمها لا من تلقيها عبر المحاضرات والخطب ((تبقى رائعاً ومميزاً )) ... لك خالص تحياتي ابو معاذ فاطمه اهنئك على هذا المقال الرااااائع