يروي الشيخ ناصر العبودي حكاية غريبة طريفة مفادها أنه في إحدى السنوات الماضية وبينما كان رجال يحفرون في ( جفر الحمد ) ، إذ وجدوا جثة رجل طرية لم تتعفن كأنها دفنت وقت الحفر ، فشاع الخبر في البلد وشهد على ذلك جماعة من الرجال وجرى توثيقها ، يقول الشيخ إنه قد حدثه بذلك الخبر من شهد الواقعة بنفسه ، هذه واقعة تاريخية غريبة تسجل وتروى للأجيال ، ولكن ضوابط الواقعة قد غيرت فأين هذا الاسم ( جفر الحمد ) الذي وقعت فيه هذه الحادثة ؟! ، ويروى العبودي نفسه في ( معجم بلاد القصيم ) حوادث تاريخية مهمة حدثت خلال الصراع الدموي على السلطة في بريدة بين أبناء أسرة آل أبو عليان ، وكان مسرح الأحداث هو ( الوَسْعة ) ، مرة ثانية أين هذه ( الوَسْعة ) فقد تغريت الأسماء وضاع التاريخ في مهب الريح لمن أراد أن يوثق ويعيد قراءة تاريخ بريدة ؟! مرة ثالثة ؛ هل تستطيع أن تدرك جمال قول الشاعر الشعبي القديم : ( إذا جيت العجيبه ساح بالي ... عند قوم ما يهابون الخساره ) لو كان اسم حي ( العجيبة ) قد اندثر مع ما اندثر من أسماء الأحياء والشوارع ؟! ، هذه الشواهد تدفعنا للحديث عن ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في مجتمعنا السعودي ؛ هذه الظاهرة هي التسابق لتغيير أسماء الشوارع والأحياء والقرى ؛ فخب ( الجيفة ) تحول إلى خب ( الكيفة ) ، وقرية ( أبا الدود ) تحولت إلى ( أبا الورود ) ، و( الُودَيْ) في بريدة جرى تسميته بحي ( الربوة ) ، و( العكيرشة ) حُوِّل اسمها إلى اسم حديث ، وفي يقيني أن بقية الأسماء ( المطا ، والخبيب ، والشماس ، والعجيبة ، والنازية ، والسادة ، وخب القبر ) في طريقها إلى التغيير إن لم يكن هناك وقفة جادة من ( المجلس البلدي ) لوقف العبث بتغيير الشواهد التاريخية للبلد ممثلة بأسماء أحيائها وشوارعها القديمة . هذه التنصل من الأسماء القديمة وإبدالها بأسماء حديثة يعبر عن طفولة حضارية ساذجة تظن التحضر باختيار أسماء حديثة جميلة ، وهي في الحقيقة تنم عن جهل مخيف بأهمية التاريخ وشواهد التاريخ المتمثلة بالمحافظة على الأسماء القديمة التي من خلالها يقرأ تاريخ المدن والبلدان ؛ ولهذا نجد البلدان ذات الحضارة العريقة حريصة على المحافظة على أسماء الحارات والشوارع والمحلات والقرى ؛ فمثلا بقراءة سريعة لمدينة القاهرة نجد التاريخ شاخصا أمامنا بالأسماء التي تحملها المدينة ؛ فمساجد الأزهر ، والأقمر ، والأنور ، والحاكم ؛ مازالت تحمل الأسماء نفسها منذ أن بنيت أيام الدولة الفاطمية مع تغير الدول ، وتغير المذهب الديني من المذهب الإسماعيلي الباطني أيام الدولة الفاطمية إلى المذهب السني ، وأبواب القاهرة ( باب الفتوح ) وباب ( النصر ) مازالا يحتفظان باسمهما منذ أن بناهما ناظر الجيش الجمالي أيام الدولة الفاطمية منذ ألف سنة ، ومقابر ( باب الوزير ) و( قرافة صحراء المماليك ) ما زالا يحملان الاسم نفسه من أيام حكم المماليك منذ سبعمائة سنة ، وحي الأزبكية مازال يحمل اسمه نسبة إلى الأمير المملوكي أزبك المتوفى منذ ثمانمائة سنة ، والقصور مازالت تحمل الأسماء نفسها كقصر ( طاز ) نسبة للأمير المملوكي طاز المتوفى منذ سبعمائة سنة ، وقصر عابدين وهو من قصور الجمهورية الرسمية اليوم مازال يحمل الاسم نفسه من أيام دولة أولاد محمد علي باشا ، ومثله قصر القبة نسبة إلى بساتين القبة حيث حمل ذلك الاسم منذ أنشيء في عصر الخديوي عباس حلمي ، وقل مثل ذلك في المشاهد والشوارع والمساجد والمدارس القديمة ولا تعجب حينما تجد أسماء غريبة ومضحكة في القاهرة كحمام ( الملاليطي ) ، والصناديقية ، وزنقة الستات ، وعطسة الحمار ، فكل هذه الأسماء تعد شواهد تاريخية ، لا يمكن أن تفهم تاريخ المدينة وحوادثها إلا من خلال معرفة الأماكن التي حدثت بها تلك الوقائع ، وتعد المحافظة على أسماء المدن والأحياء والمدارس وتسجيلها والكتابة عنها وتوثيقها من أبجديات العمل التاريخي ؛ ولهذا نجد أن المسلمين الأوائل عُنُوا بمثل ذلك فقلما تجد مدينة إسلامية لم تسجل أسماء خُططها ( الخطط : هي الأحياء ) ، ورجالاتها ؛ كتاريخ بغداد ، وتاريخ دمشق ، وتاريخ قزوين ، ومن أبرز من كتب في ذلك وخصص كتابا لخطط القاهرة وأسماء مدارسها ومساجدها وكنائسها وزوايا الصوفية فيها المؤرخ القزويني في القرن التاسع الهجري في كتابة ( الخطط المقريزية ) ، وسار على منواله توفيق مبارك في القرن الثاني عشر الهجري في كتابة ( الخطط التوفيقية ) . كم أتمنى من ( المجلس البلدي ) في بريدة أن يولي هذه الفكرة اهتمامه فيحافظ على الأسماء الموجودة ويحي ما استطاع مما اندثر منها ، ويقوم بطباعة كُتيِّب تعريفي عن مدينة بريدة وأحيائها وأسباب تسمية تلك الأحياء ليعرف السبب التاريخي لتلك التسميات ؛ مثل أسماء أحياء ( السادة ، والنازية ، والشماس ، والمطا ، والخبيب ، وقبة رشيد ، والجردة ،) فكل هذه الأسماء سميت نسبة لحوادث تاريخية ، أو نسبة لأشخاص . د سليمان الضحيان كاتب وأستاذ مساعد في جامعة القصيم [email protected] -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- تعليقات الزوار ابو محمد الاخ العزيز الضحيان انا أؤيدك وبشده لانه من غير المنطقي ان تطمس تلك المسميات العريقه والتي تحمل بين طياتها قصص واحداث كانت موجوده ومعاصره انذأك بتاريخها ورجالها فيجب علينا الحفاظ على هذه البقاع كما هي دون تغيير او طمس شكرا لكاتب المقال على حرصه الواضح وبعد نظرته الوطنيه الشماسي الحقيقة مقال بالصميم... تناول الدكتور موضوع حساس اتفق معه في كل شيء الا أن تبقى الاسماء كما هي اتمنى أن يكون هناك خارطه تاريخية او لوحات تحمل مسمى الاحياء القديمة ومافيها من آثار تاريخية ومواقع ... اقتراح نضعه بين يدي المجلس في بريدة ومناقشته محمد الصعب اشكرك الدكتور الكالتب على هذه اللفتة الجميلة ، وكم أتمنى مما يسمى ُالمجلس البلدي ( رعاية هذه الفكرة والاهتمام بها ، وكم أتمنى معرفة أسباب تسمية بعض الأحياء بمسمياتها الحاضرة وشكرا علي مقال ولا أروع يكتبه الدكتور والباحث الرائع : سليمان الضحيان . وللعلم فإني افتح هذا الموقع الالكتروني لأجل كتاباتك فقط . ومن مقالك هذا نكأت جرحا عميقا في تاريخ بريدة أتسأل بعده : لماذا كل هذا اللهاث المحموم نحو الاتجاه لتغيير الأسماء القديمة والمعبرة عن تاريخنا القديم ؟ أهي التبعية ..!أم هي الطفولة الحضارية..! كما عبرت عنها أخي د سليمان أم هو القصور لفهم ما تحويه هذه الأسماء والألقاب من عمق تاريخي وإرث زاخر بالحوادث والمواقف السامية !!. فأبالدود تسميتها شرف لها لمن يعرف قصة التسمية ؟ وقل ذلك في العجيبة فهي عجيبة ببساتينها وخضرتها كما هو معروف قديما . إنني أتمنى كما أتمنى د سليمان من المجلس البلدي أن ينظر لهذه القضية وأن يأخذ ما طرحه د سليمان الضحيان بعين الاعتبار وهو مطلب يكاد الجميع يتفق عليه . كما أرجو من سعادة الدكتور سليمان الضحيان أن يكتب عن سبب تسمية هذه الأحياء والأماكن القديمة فهو لاشك خير من يكتب ويبحث في هذا المجال . لك وافر الثناء على ما كتبت وأشكرك شكرا جزيلا عبد الرحمن الراشد - الرياض د/سليمان اشكرك على طرحك واهتمامك بتاريخ بريدة ونأمل منكم بأن تكتب عن مؤسس بريدة واميرها سابقاً راشد الدريبي والأسر المنتميه إليه التي دفنها الزمن. ولكم فائق الشكر والتقدير ابن بريدة الله يرضى عليك على هذه الفكرة ، الغريب إن أسماء الأحياء الجديدة في بريدة كلها تقليد سخيف لأسماء أحياء الرياض ( حي سلطانة ، حي الريان ، حي الربوة ، حي القدس ، حي غرناطة ) يعني تقليد ماسخ يفقد المدينة شخصيتها ياليت نحافظ على شخصية بريدة خالد الغنام الأخ الضحيان صادق فيما يقول فلندع للأشياء مسمياتها القديمة من غير تغييرها فمن غير المعقول ان تغير أسماء أحياء كانت مسماه بهذا الإسم لمئات السنين ثم بجرة قلم يتم تغييرها والتغيير تغييب للحضارة والماضي والتراث كما أن المسميات القديمه اقرب الى القلوب وتربط الجيل بقافته القديمة مما يجعل عنده تأصل حضاري لبلده . وعدم نكران لذاته فأنا مؤيد بشده للضحيااااااااااااااااااااان ولد القصيعة اول السلام عليكم على فكره ابي الله يرحمه كان من ضمن الموجودين عند مانبشت الجثه اللي بجفر الحمد قدقصها عليناء اماء الموضوع سراحه هذي المواضيع اللتي يجب ان نناقشهاء ونجدلها حل يرضي القديم والحديث في مسميات الاحياء والحواري والشوارع وياريت ان البلديه تراعي في مشاريعها اللتي تعيد التسميه ان تستعين بمنهم كف من اهل البلد والاعيان والناس الفاهمه وما انسى راعين الخبرة قلب وطن بادي ذي بدء بالفعل بعض التصرفات الفردية التي تتبناها بعض الادرات الحكومية التي تمس البلد بأكملة يجب ان ترتبط بجهة ( ادارة عليا) بالامارة لكي نتجنب هذه الافكار الفردية السطحية التي تعبث بتاريخ المنطقة !! . . . . الشكر كل الشكر للدكتور سليمان الضحيان على هذا الموضوع الاكثر من رائع والذي كشف لنا كيف ان تاريخ بريدة بحاجة الى المحافظة علية من افكار فردية لاتفكر الى من جانب واحد وتنسى جوانب عديدة أخرى وإذا كانت الامانة تقف موقف المتفرج عن هذه المشكلة فالواقع يفرض علينا ان نساهم في الرفع الى مقام الامارة والتي يهمها الامر بالدرجة الاولى لكي يعاد ما تم تغييره وان تتولى الامارة ذلك مستقبلآ ولاننسى ان لدينا ولاة أمر بهذه المنطقة ممثلتآ بأميرها المحبوب فيصل بن بندر ونائبة الشاب الفذ الامير فيصل بن مشعل .... والذان دائمآ مايحرصون على تطوير المنطقة التطوير وفق معايير معتمده على اساس علمي بعيدآ عن الاجتهادات الفردية! . . . . والشكر موصول لصحيفة ((عاجل: بريدة ))على تبنيها الخبر ووضع مساحة للنقاش لتوضيح مكمن الخلل لمعرفة رد الفعل من المجتمع لكي تتكون الفكره وتستكمل جوانبها الاساسية لوضع الحلول والبدائل للمشكلة .......... وشكرآ ابو مالك أؤيد الدكتور كاتب المقال فيما قال , وإن كنّا لا زلنا نعرف ( الوسعة ) ونعرف ( جفر الحمد ) فسيأتي اليوم الذي تنسى بشكل كامل . وأعتب على الدكتور تسمية الموضوع باسم بعيد كل البعد عن المضمون!, ومن الممكن أن يجد عنواناً فيه إثارة ويدل على المضمون الحقيقي خلف وقيت شكرا يادكتور وأدكر أن الاستاذ سليمان الفايز مساعد مدير التعليم الخالي كتب عن هدا الموضوع قبل سنوات في موقع القصمان وتناول أبعادا كهذه بالإضافة إلى ماحرر من وثائق وصكوك تدل على المكان .. والتمس حينها الأبعاد التراثية للتسميات مستمدا ذلك من كتاب الباحث المرحوم سليمان النقيدان ( من شعراء بريدة ) حيث أفرد فصلا كاملا لحارات بريدة وسبب تسمياتها .. كان ذلك في بداية تشكيل اللجنة المكلفة من إمارة المنطقة بالتسمية قبل اربع او خمس سنوات .. فهل من رجعة يتبناها بالفعل المحلس تكون بمثابة المحافظة ولو على المسميات ابو صالح - ولد العكيرشة هلا وغلا الصراحة كنتب أتضايق جدا من اسم حارة العكيرشة بس بعد نقال الدكتور سليمان صراحة عرفت إن الاسم له تاريخ يجب المحافظة عليه احمد الشدوخي الغريب دكتور سليمان أيضا تغييب أسم الجردة من اللوحات الإرشادية الخاصة بالدلالة على السوق الشعبي .. والحرفي في بريدة وكأنك تتطلع على خريطة لتزاد كلمة ببريدة . جميل المقال ورائع بروعتك أستاذي .. لك التحية والتقدير يا أبا علي ولد المريدسية أشكر لك هذا الاسهاب الرائع أيها الأستاذ الجميل ( الضحيان ) و أصافح هذا النظرة المنبثقة من إدراك ووعي ناضجين فلماذا نجد بعض المدن في بلادنا أو بعض الدول الأخرى تفتخر بمعالمها القديمة و تسعى جاهدة للحفاظ على نمطها القديم و حمايتها من الإندثار بينما نجد في بريدة من يستعذب طمس معالمها و إزالة أي أثر لها على سبيل المثال ( الوسعة ) كيف طمس معالم رمز حفر في أذهان الكثيرون وترك شمالها بضع أمتار لا تسمن ولا تغني من جوع إني أناشد المسؤولين و من لهم يد صلاحية و مشورة بالمسارعة على حفاظ ما تبقى من معالم راسخة و إعادة ما يمكن إعادته ووضع بوابات حدود بريدة القديمة ووضع لوحات تشير للمسمى القديم للمكان مثل ( جفر الحمد ) الذي هو الآن مكان أمانة بريدة ( بلدية بريدة ) و الحديقة التي غربها و الدوار الذي بنهاية شارع الصناعة القديم وكذلك جردة بريدة القديمة . . . الخ في الختام أشكر الأستاذ الضحيان ابو عبد الله انت مبدع دائما فلا تحرمنا من ابداعاتك يااباعلي ابو عاصم مبدع يا اخ سليمان .... والفكرة رائعة وجديرة بالطرح والمناقشة بل واجبة وملحة .... وأحب أن أضيف اسماء لبعض المواقع المهجورة سواء كان الهجر بقصد أو بغير قصد ... خذ مثلا : حارة ربيشة ( سوق الخضار الآن ) ...حارة الحويزة ( حارة مسجد الخريصي وجنوب ) ... حارة الجديدة ( تنطق بالتصغير ..شرق محلات السيف على جانبي الشارع ) .... حارة النفود ( حارة الهلال حالياً ).... الصوير ( المنحدر. شرق الهلال غرب العجيبة )..... حارة الغاف ( غرب البصيرية ) .... عين الذيب ( حي السلام الآن جهة الجنوب )... حي البوطة ( غرب السوق المركزي )... طلعة الحبلين ..... طلعة الجادول .... السوق الداخلي ...... سوق البعارين ( غرب شارع الخبيب جنوب شارع الملك فيصل )..... سوق القيصرية ( سوق البشوت الآن )..... مسجد الحميدي .... مسجد ابن ماضي.... مسجد الجردان .... مسجد العقيلي(أقدم مسجد في شارع الخبيب )... شارع الباخرة .... كما ان هناك مدارس تم تغيير اسمها القديم إلى أسماء حديثة مثل : مدرسة الحويزة ( الأندلس الآن ) .. مدرسة الشماس ( العباس الآن ).... مدرسة السادة ( القدس الآن ) ... مدرسة التغيرة ( الشافعي الآن ) ... هذا ما أتذكره على عجل . كما أرجو من الأخوة المعلقين على هذا المقال أن يذكروا بعض الأسماء القديمة لتفعليلها والتذكير بها . .... وشكراً للأخ سليمان على طرح هذا الموضوع التراثي الجميل .... واسلم لأخيك ..... أبي عاصم