ثاني متوّسط ! حينما صحوتُ في ذلكَ الصباح .. كانَ القلقُ قد بلغَ مني مبلغه .. ! فصورة مُعلّم التأريخ [ السفاح ] لاتكادُ تفارقُ خيالي .. ! فأنا لم أنفذ الواجب .. الذي طلبهُ مِنّا في الأمس ! يا لورطتي الكبيرة .. ! يجبُ عليّ أن أبحثَ عن حلٍ لهذه الورطة الكبيرة .. ! هل أعتذر .. ؟! المُعلّم السفاح .. لا يعترفُ ب الأعذار .. ! فكلُ اعتذارٍ يقولهُ الطالب .. ما هو إلا كذبٌ وتلفيقٌ ونفاق ! هذه هي القاعدة التي يعتقدُ بها [ مُعلمي ] .. وكثيرٌ من المعلمين .. ! كنتُ أخافُ منهُ كثيراً .. كبقيّة زملائي الطلبة .. ! فهو [ سفاحٌ ] بمعنى الكلمة .. ! إن مُعلّمي .. يجدُ مُتعة ً كبيرة .. في تعذيب الطلاب وإيذائهم .. ! كنتُ –ولازلت- لا أجدُ حرجاً بتسميةِ حصتهِ .. ب [ غرفة العمليّات ] .. ! فالصراخُ .. هُو ما يعلو المكان كثيراً .. ! فتشعرُ وكأنكَ في [ غرفة ولادة ] .. ! فقد كان َ [ مُعلمي ] .. يستخدمُ الكثير من وسائلِ التعذيب .. ! بل ويتفننُ في ذلك .. ! فهذا مَصدرُ متعتهِ .. ومنبعُ لذتهِ ! كانَ الحلُ الوحيدُ الذي فكرّتُ فيه للخروج من هذا المأزق .. ! هو أن أكتبَ الواجبَ في [ الحصة الأولى ] .. ! وكما لا تعلمون فموعدُ [ حصة السفاح ] هي الثانية .. ! حَضر مُعلّم الحصة الأولى .. ! وقد كانَ الواجبُ طويلاً .. ! وبالكاد سأستطيعُ إكمالهُ .. قبل نهاية الحصة .. ! كانت طاولتي .. تقعُ في الصف الأوّل .. ! مُقابل الأستاذ .. تماماً .. ! يا ألله .. كيفَ سأتخفى عنه .. ؟ التفكيرُ في عقاب [ السفاح ] .. لم يكن ليسمحَ لي بالتفكير أكثر .. لحل هذا السؤال .. ! أخرجتُ القلم .. ! ثم شرعتُ .. في كتابةِ الواجب .. ! كانَ مُعلّم الحصة الأولى .. مُنهمكاً جداً في الشرح .. ! وأمّا أنا .. فتارة أكتب .. وتارة ألقي بنظراتي [ الخائفة ] .. نحو الأستاذ ! شارفتُ على النهاية .. بصعوبةٍ بالغة ! ثم تنهدت .. وشعرتُ بأنّ الفرج .. قد اقترب .. ! وفجأة ! * * * وقعتْ عليّ عيون المُعلم الغاضبة ! تزلزل فؤادي .. وارتعدت فرائصي .. ! وبدأتُ صور الدنيا تتلاشى بين عيوني .. وتُشكل ضبابا .. ! صرخ بوجهي .. ! قم يا هذا .. ! لماذا لم تنتبه للشرح ؟!!! وماذا تكتب ؟! كنتُ أنظرُ للأستاذ .. بنظراتٍ خائفةٍ وجلةٍ غائرة .. ! ولا جواب .. ! صَمت الأستاذ .. ! وعيونهُ الغضبى .. تكادُ تأكلُ وجهي ! صمتٌ مخيف .. يَعمُّ المَكان .. ! وعيونُ الطلبة .. ترمقُ المشهد .. برهبةٍ شديدة ! قتل المُعلّمُ الصمت .. [ بصفعة مُدويّة ] .. !! لم أفق .. حتى ألحقني بصفعة ثانية .. ! ركلت خدي بعنف أشد ! ألامٌ شديدة .. ! ألم الصفعة .. وألم المذلة .. وألم الفضيحة .. ! التي وقعت أمام زملائي ! ثم أخذ المُعلّمُ يُوبخني .. بشدة أمام الجميع .. ! ويَلومني .. بعبارتٍ عنيفة ! لم أكن .. أتحمل كل هذا .. ! كنتُ أشعرُ برغبة في البكاااااء .. ! لقد كنتُ .. مؤدباً طيلة العام الدراسي .. ! لم أكن لأعبث في الحصص أبداً .. ! لقد كانَ هذا هو الخطأ الأوّل .. الذي أرتكبه .. ! هل كان [ خطئي ] ولأوّل مرة .. يستحقُ كل هذا ؟! أمّ أن [ جام الغضب ] الذي كانَ يحملهُ [ مُعلّمي ] على هذه الدُنيا الملعونة .. ! جعلهُ يفرّغ ذلك .. في غلامٍ صغير بريء ..؟ نظراتُ الطلاب المشفقة عليّ .. كانت ترتسمُ على الجميع بلا استثناء .. ! وقد كانت النظرات .. أشدُ ألماً من الصفعة ! صرخ المُعلّم مرة أخرى .. ! يا عريييييييف .. ! خذ هذا الغبي .. إلى المُدير ! * * * رباااااه .. ألم يكتفِ بعد ؟ يا للظلم .. والقهر .. والاستبداد .. ! ذهبَ بي العريف إلى .. [ غرفة المُدير ] .. ! وقد كانَ المُديرُ عنيفاً بشدة .. ! إنّ الحل الوحيد الذي يعرفهُ للمشاكل .. ! هُوَ الضربُ بتلك العصا الغليظة .. والتي كانت لا تفارقهُ أبداً ! في طريقنا إلى المُدير .. كان الخوف يُسيطرُ على كياني .. ! والرهبة تكادُ تقتلع قلبي من مكانه .. ! وصلنا لغرفة المدير .. ! فوجدتهُ مُمسكاً بكتابٍ كبير .. ! يعبثُ بهِ بينَ يديه ! صرخَ المُدير .. ماذا هناك ؟! أخبرهُ العريف .. ب جريمتي النكراء وفعلتي الشنعاء .. ! ومُباشرة ً.. أخذ المُديرُ يَلطمني بالكتاب الذي معهُ بكل ما أوتيَ من قوّة ! وسيلٌ منهمر من عبارات التأنيب والتعنيف والإغلاظ .. كانََ يصبها عليّ ! يا لئييييييييييم .. ! يا لئيييييييييييييييييم .. ! تلك الكلمة التي كانَ يُرددها عليّ .. لا أنساها .. ! أتعلمون ؟ لقد كانت المرّة الأولى .. التي أقابلُ بها المُدير جرّاء خطأ ارتكبته ! وقد كان الضرب .. هو خير ما استقبلني به .. ! وهو الحل الأوّل والأخير .. لديه ! اغررررب .. عن وجهي ! والووويلُ لك .. إن كررتها مرّة أخرى .. ! آآآآه .. أخرجتُ تنهيدةً كبيرة .. من صدري .. ! أخيراً .. انتهيت .. !! صَعدنا إلى الفصل .. ! و قد طالني عقابٌ أليمٌ فوقَ ما فعلتُ بكثير .. ! دلفنا إلى الفصل .. ! ثمّ ذهبتُ إلى مقعدي وأنا مُطأطئ الرأس خجلاً من أصحابي .. ! و جلست .. ! زلزل قلبي .. صررررخة مدويّة من المُعلّم ! قممممم يا هذااااا .. !! تفعلُ تلك الجريمة .. وتستريح .. ؟!! ثمّ أخذ يُمطرني .. بسيلٍ مُنهمرٍ من التعنيفِ والتقريع ! أنتَ لا تستحقُ أن تجلس ! لا تستحق أن تستريح .. ! لا تستحق ... ! لاااااااا تستحق ... ! آآآآآه يا للألم .. ما كُل هذه المَصاعب .. ! ظللتُ واقفاً .. طيلة الدرس .. ! والألم يَعصرُ قلبي .. ويُفتت كبدي .. ! انتهت الحصة الثقيلة بحمد الله.. ! وبسرعة خاطفة .. أخذت الدفتر .. ! وأكملت الحل .. ! قبل أن تحدثُ كارثة .. مع ذلك السفاح .. ! والذي أقبلَ مُبتسماً .. والعصا الغليظة .. تلوحُ بيده ! ! إبراهيم بن عبدالله الدبيان [email protected]