يجهل كثير من الناس حقيقة بيت المتنبي الشهير عن العيد , كما جهلهم ببيت المعتمد بن عباد ملك إشبيلية حين ضاع ملكه , فالأول كان طالب منصب بشعره المرتزق , حتى ادعى حب سيف الدولة حبًا خالصًا , وما هو إلا حب اعطياته فحسب , والثاني نال جزاءه حين كان يدفع الجزية للنصارى عن يدٍ وهو صاغر , ويتواطأ معهم على خصومه المسلمين , فكلاهما استلهما العيد استلهامًا ينقطع نظيره في الجور والتجني . كان المتنبي – في مصر - يطلب منصب ولاية من كافور الأخشيدي , والمعتمد بن عباد نال جزاء عمالته للنصارى , فاستحقا نصيبهما كما ينتظرهما قدرهما المتوقع لمثلهما , لذلك ؛ فقد ثبت بطلان الاستشهاد بشعرهما , فكأن الناس يشاكلونهما مشاكلة من يشبه السيف بإمضاء العصا , فيضعف الطالب والمطلوب من حيث يدرون ولا يدرون . إن المتنبي حكيم الشعراء , لكنَّ أنفته العربية أوردته المهالك , فلم يعيِّر الإنسانية بعبوديتها للإنسانية , فكان أن تذمر الموالي من ابتياع العبد والعصا معه , وهم يعلمون أنه بخيل مقتر , فلا يرتحل إلا ومعه ماله , ولا يمتدح إلا وممدوحه يستجديه كما سيف الدولة , فكان أن تألَّب عليه الأعداء , فشج جبينه ابن خالويه ثأرًا لقدره عند تلميذه سيف الدولة . مدح المتنبي العرب , وذم العجم , وأحدث في الفن الأدبي فجوة حين راح ينادي بالتفريق العنصري , وقد ينصفه علماء النفس حين يقولون إنه ضحية مجتمعه العباسي الذي سيطر فيه العجم على مقاليد الحكم خُفية , لكن الناس أعجبهم فيه خياله الواهم , ومبالغته في شعره , فتجسدت فيه مقولة : أعذب الشعر أكذبه . حين ينظر الأعمى إلى أدبه , ويسمع كلماته من به صمم , فذلك خيال واهم , لكن له نوطة في القلب وعلوقًا عجيبًا , وكذا حال الأدب وعاطفته , فلا بد أن يشتق من النار معانيه , فهو كلام لاهب من لهيبها , وحرارته تضوع من حرارتها , وشبابه من شبوبها , وضرامته من ضرامها , وفي حال ضعف الأدب راحوا يقولون : انطفأت شعلته , وهمدت قوته وخمدت . . . من شعلة النار وهمودها وخمودها . لقد كان المتنبي يعيش في برج عاجي كعالم المُثُل التي نادى بها الفلاسفة في مدنهم الفاضلة , فحين لم يحققوا عالمهم المزعوم , ثبت للتأريخ أن الأخلاق وتخلقها في رحم المجتمع ما هي إلا نتيجة لهاتيك الظروف الاجتماعية , لقد مات ارسططاليس حين راح يمشي وهو ينظر إلى النجوم باحثًا عن المثل العليا , فسقط في حفرة فمات , فلو كان ينظر إلى الأرض حيث واقعه لما جنى على نفسه . إنني أرى أن من الخير ألا نستشهد بقول المتنبي : عيد بأية حال عدت يا عيدُ = = بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ ولا بقول المعتمد بن عباد : فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا = = فساءك العيد في أغمات مأسورا -------------------------------------------- تعليقات الزوار صالح عبد المحسن أخي أحمد لو تتبعت حياة الشعراء على مر العصور لرأيت المصالح الشخصية قد طغت على شعرهم إلا مارحم ربي ضاربا مثالا قريبا... أحد الشعراء الذي يعمل بالسلك العسكري هذا الشاعر الفذ الذي جعل من شعره سلما ليرتقي بوظيفته من جندي أول إلى عقيد إذا ألا نبرّي ساحة شاعرنا (المتنبي) وفارق بين من يطلب أساسيات الحياة ممن يطلب الكماليات والإستزاده وفرق بين حياة المتنبي الصعبة وحياة خلف السهلة...!! هل نتذكر هذا البيت يا أحمد في القادم من الأيام...؟! عيد باية حال عدت ياعيد...لما مضى أم لأمر فيك تجديد ابو محب لافض الله فاك يا ابا شاكر مقال فيه عبق الماضي ولكنه حزين ومؤلم فان المعتمد بن عباد شعره هذا خارج من حسرة والم فهو يذكر الانسان بأن عليه التوكل على الله وليس على قوة ارضية زائلة فهو بحق قمة العبرة والعضة حيث يقول المعتمدُ بن عباد بعد زوال ملكه، وحبسه في (أغمات) ؛ حين قال وهو يرى بناته جائعات عاريات حافيات في يوم العيد : فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا *** وكان عيدك باللّذات معمورا وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ *** فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً *** في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا معاشهنّ بعيد العزّ ممتهنٌ *** يغزلن للناس لا يملكن قطميرا أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه *** ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَجٌ *** فعاد فطرك للأكباد تفطيرا فهد العمير صدقت يا أحمد نمشي وراء العالم دون ان ندري ابوهشام اليحيوي عتقد أن أول المقال ناقض آخره . فكيف يكرّس المتنبي النظرة العنصرية في حين تقول في النهاية إنهم يحلمون بكون أفلاطوني لمدنهم الفاضلة . السياق في الفقرات متساوق لكن فكرة الموضوع هي التي سقطت في النهاية