لموسيقى البلوز تاريخ (فكرة) تمثَّلت باضطهاد العبيد في أمريكا. هذا الأمر يُمكن أن يكون مدخلا مهمًا للتفكير في سؤال: هل للأغنية السعودية تاريخ / فكرة، نقلها من التشتّت العام الفردي الموازي لتشتّت جغرافية المكان قبل التوحيد وتحولاته الحِقبيّة، إلى طورٍ (...)
تقول العرب: «الحزن نقيض الفرح». لكن هل الفرح نقيض الحزن؟ سؤالٌ يُفترض أنَّ إجابته بدهية، لكنّي أحبُّ مشاغبةَ البدهيات، فأنا لا أدرك من إجابة هذا السؤال إلا التعجب؛ وذلك لأنَّ معنى الحزن عند العرب متعلق بخشونة الشيء وشدته، على سبيل الإحساس المباشر (...)
العَمل يُغيّر التاريخ، ويُغيّر الهوية، حتى ذلك العمل الذي يُمكن أن يُوصَف بالعملِ العاطل! العملِ الخالي من ملامح التغيير الواقعي، ذلك الذي لفتت نظري إليه فتاةٌ على مشارفِ العشرين في جلسةٍ عفوية، حكت فيها حكايتها عن السيادة العاطلة.
وربما من أجمل (...)
هل بقي شيءٌ تُقدمه خشبةُ المسرح، تلك التي تَحبس الناسَ في مكانٍ ضيّقٍ لتُلقِي عليهم شيئًا ما...!؟ الناس مشارب في بحثهم عن جوابٍ لهذا السؤال؛ لكنَّ الكل يَعرف أنَّ المَسرحَ -بوصفه أبًا للفنون- ميّت. إذن عندما ماتَ الأبُ وصار الناس يتحركون بالعالم (...)
تضيق جدرانُ المقالةِ بعنوانٍ كهذا، لكن يكفي من قلادةِ هذا التاريخ ما يُحيط بعنقِ لحظةٍ غير مفكّر بها، وهي انقسام العرب في القرنين الرابع والخامس إلى تيارين، حَوَّل صراعُهما النخبةَ من مفهومٍ لغويٍّ حسي، إلى مفهوم فكري عقلي، فصيّرَ بدوره النخبة (...)
لأحمد الدلجي مؤلَفٌ عنوانُه (الفلاكة والمفلوكون)، وهو لفظٌ غريبٌ على اللغةِ التداوليّة، لهذا اتَّجه الناسُ لسؤالِه عن معنى العنوان؟ فقال: المفلوك لفظٌ متداولٌ في لغةِ (الأعاجم)، ويَعنونَ به غيرَ المحظوظ المهمّشَ من الناس؛ لفقره. ثم قيل له: ولماذا (...)
الحدث بالمفهومِ الفيزيائي هو كلُّ ما يَحدث في الزمانِ والمكان، لكنَّ السؤال لماذا يُقال لأشياء (حوادثَ)، ولا يُقال لأخرى؟ ربما هذا السؤال ينقلنا لمعنى (الحدث) في اللغةِ المتداولة، ذاك الذي يَشُدّ الانتباهَ، ويُغير مسارَ الحياة. وهذا المعنى أنتج (...)
كتبتُ نصًا مسرحيًا، وسميتُه -بعد جدالٍ طويل مع ذاتي- (دوائر)، ثم نفثتُ على النصِ نفثةَ مصدور قائلًا: أتمنَّى ألا تَدور عليكَ الدوائر...!. وكنتُ حين أُسألُ عن فكرةِ النصِ، أقول: «اقرأ النصَّ وستعرف!!» ثم اكتشفتُ أنَّ الناسَ ليست فارغةً لدرجةِ (...)
روى صاحبُ التذكرة الحمدونيّة أنَّ رجلًا قيل له: جاء رمضان، فقال: «والله لأبدّدنّ شمله بالأسفار».
وهذه المقالة بدورها ستُشتِّتُ شملَ هذه المقولة على أربعةِ مستويات: الأول: أنَّ المعنى (القريب) للذهنِ هو الخَلاص من الصيامِ بالسفر؛ مما يَجعل المقولةَ (...)
كان لديَّ أصحابٌ في وقتٍ مَضَى، تتردّد على ألسنتِهم بعدَ كلمةِ (أنا): «أعوذ باللهِ من كلمة أنا»، ما عدا أحدهم يقول (أنا) بأساليب مختلفة كلها إلى الاعتزاز المتغيّر أقرب.
نسيتُ أمره، حتى سمعتُه يُردِّد جملة (لا تدقّ صدرك وضلوعك رديّة)، فقفز إلى ذهني (...)
لبورخيس محاضرات ست عن الشِعر، ألقاها في جامعة هارفارد عام 1967، ظَلّت مجهولةً أو منسيةً لمدةٍ طويلةٍ، يُظلِلها عنوانٌ كبيرٌ هو (صنعة الشعر)، وهذا العنوان ليس غريبًا في التاريخ العربي القديم؛ حيث أصدرت دار الغرب الإسلامي، كتابًا في التسعينيات (...)
قالت حنة أرندت، وهي تتذكّر دروسَ هايدغر: «كانَ يُحدِّث كنوزَ الماضي، التي ظننا أنها اندثرت»، تذكرتُ هذه المقولة، حين سمعتُ متحدثًا -في مجلسٍ- يرفض أن تكونَ «الغبانة» من تراثِ الحجاز؛ بحججٍ ارتبطت بالمكانِ بوصفِه هُويةً ذاتيّة تطابقيّة مع تاريخٍ (...)
تناقلت الأخبارُ، أنَّ (براين مويندا) الشابَ الكيني، تَقمّص شخصيةَ محامٍ، فكسب جميعِ القضايا التي أُوكِلت إليه، فتحرك المجتمعُ؛ ليقبض عليه؛ لأنه لم يَدرس المحاماةَ نظاميًّا.
هذا الخبر يفتح جبهةَ النقدِ أمامَ شيءٍ ما؛ إمَّا المؤسسة وقيودها، أو أهمية (...)
أحدّث نفسي: «اذْهَب لمعرض الكتاب؛ لتكتب كلامًا». هذه جملة ظللت أكررها، حتى حملت نفسي وذهبت للمعرض، لا لكي أشتري الكتب، بل لأجرب أن أكتب كلاما من وحي الضجيج؛ ضجيج الناس وضجيج الحروف نفسها التي تتنقل بين الأوراق.
وحين دخلت المعرض كانت الحروف في الهواء (...)
«لماذا نحلم».. سؤال اجتمعت إجاباته حول ثلاث مدارس، الأولى: نحلم؛ لإخراج الجوانبَ المنحطة في النفس، والثانية: نحلم لتسمو النفوس عن سجنِ الجسد، والثالثة: نحلم؛ لأننا نعبر عن النشاط الذهني بصورة رمزية.
وتطرح المقالة سؤالًا: هل يمكن أن نفكر ب(الأدب) (...)
أوردَ القالي في كتابه «الأمالي» أنَّ الأصمعيَ قَالَ: «قَالَ بعض الحكماء:..ولا ميراث كالأدب». وقد جُعِلَت في بعضِ المرويات التراثية حَديثًا نبويًا، كما جاء -مثلًا- في «البصائر والذخائر» للتوحيدي؛ ربما للظنِّ بأنَّ هذه المقولة ترقى لأنَّ تكونَ (...)
للحكاياتِ سحرُها الواقعي، وواقعيتُها السحرية، وفي السردِ نعيش وسنعيش بهذه المقولة، أتذكر -دائمًا- حبيبنا الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، عرّاب حكاياتنا الشعبية، ومُنظِّر الحياة التواصلية الفريدة، ذلك الأستاذ الذي تَذكَّرنا أهميتَه لما طارت الطيورُ (...)
كثيرا ما أتساءل: هل بإمكاني الإيمان بوجود حتمية في الكتابة، وفي الآن نفسه أؤمن بأن الكاتب المبدع مبتكر لإبداعه بصورة واعية؟. وفي بعض المرات، أعود لأفكر بلفظ (الحتمية) الذي يجعلني أستحضر أن كل ما يحدث كان لابد أن يحدث. ولفظ (الكتابة) يجعلني أستحضر (...)
يَشيع في الأذهانِ: مقابلة الكلام بالبصر، والصمتِ بالعمى، لكن ماذا سيجري لو فكرنا بأن الصمتَ بصرٌ، أو بصيرة من نوعٍ ما؟.. سأحاول في هذه المقالة أن أقلِبَ المرآةَ لأرى الهامش.
إذا فكَّرنا بصفةِ «العمى» في التراثِ الأدبي، سنجد أبا العلاء المعري ماثلًا (...)
يَروي التَوحيدي عن أبي مُحلم «أنَ أعرابيًا ولِيَ على الماءِ، فإذا اختصمَ إليه اثنان، وأشكلَ عليه القضاءُ؛ حبسهما حتى يصطلحا ويقول: دواء اللبس الحبس». هل تُذكر هذه المقولة بما نعيشه الآن؟ أستطيعُ أن أقولَ: إنَ هذا دواءٌ يَتَطور مع الزمن، ويُعرَف (...)
(1)
حدثنا غراب بن سنان أن أبا حيان الأندلسي-الذي ولد في غرناطة، وتوفي في مصر-قال: إن لفظة (غُراب) يمكن أن تكون مأخوذة من الاغتراب. ثم حدثنا غراب أن السبب يكمن في عمل الغراب، وهو البحث في الأرض، والكتابة على التراب. فهل الغراب من الغربة، أم الغربة من (...)
وَقَعَ الكاتبُ عبدالفتَّاح كيليطو في مأزقِ اللسانِ المزدوجِ، فسعى للتخلِّي عن إحدى اللغتين: إما العربية أو الفرنسية. وبينما هو يُفكِّر: عن أيهما يتخلَّى؟ لمعت في ذهنِه فكرةُ (تخلي الأديب عن أدبه...! وما معنى ذلك؟).
ثم أخذت ذاكرتُه تُدِرُّ النماذجَ، (...)
يُروى عَنْ عَائِشَةَ بنت أبي بكر، أنها قالت: «قال لبيد: ذهبَ الَذين «يُعَاشُ» في أكنافِهِم، وبقِيتُ في خلف كجِلْدِ الأجْرَبِ»، ثم تقول: «فكيفَ لو أدرَكَ لبيدٌ مَن نحنُ بينَ ظهرَانَيْهِ»، وكان ابن أختها عروة بن الزبير يذكر كلامها، ثم يقول: «يرحم (...)
الكتابةُ عند موريس بلانشو فاجعةٌ، بعد أن فقدت مؤلفَها، ولم تتقيّد بزمانٍ ولا مكانٍ ومن ثمَّ كانت صورة المؤلف والقارئ صدى لهذه الفاجعة.
وأنا أطرح هنا مقولة: (المشافهة فاجعة)؛ وتخيّرتُ لفظَ المشافهة، للدلالة على المفاعلةِ بين صوتين. وأعني الصوتَ بوصفه (...)