لم تكن العرضة قديمة في تفاصيلها أو طريقة أدائها إلا طريقة لإخافة الأعداء بإظهار الكثرة العددية أمامهم وتخويفهم بأصوات قرع الطبول، وشحذ الحماسة والبسالة للمقاتلين ورفع الروح المعنوية لديهم بترديد القصائد الحماسية. وفي عهد الإمام محمد بن سعود عام 1178ه (1790م)، وأثناء هجوم «عريعر بن دجين» زعيم الأحساء، ومعه «دهام بن دواس» أمير الرياض على الدرعية، واشتداد الأمر على قوات الدولة السعودية، الذين أحسنوا البلاء في الصمود والتصدي، عزم الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود على رفع معنويات الفرسان المقاتلين، فأمر في آخر مطلع النهار بإقامة العرضة خارج السور، فأثار ذلك روح الحماسة والشجاعة في نفوس المقاتلين، فقلبت بذلك موازين القتال، وأصبح النصر حليفًا لهم وألحقوا بالمعتدين شر هزيمة. وتأثير فعال للعرضة في إثارة روح الحماسة والشجاعة في نفوس الفرسان المقاتلين، حيث كانت تقام قبل التوجه إلى ساحة المعركة في نقطة تجمع يلتقي فيها المقاتلون مع قائدهم الذي يستعرض جنده ليتفقدهم ويتأكد من جاهزيتهم لخوض غمار المعركة وليبعث فيهم روح الاعتزاز والحمية، وتقام بعد ذلك العرضة في صفوف ذات أداء مهيب متزن يثير العزائم ويحيي مشاعر الشجاعة والتفاني في نفوس المقاتلين، كما كان لها حضور بعد عودة المقاتلين منتصرين، فتقام من أجلهم العرضة احتفالا واعتزازا بنصرهم. والعرضة رقصة حربية في الأصل تثير عزائم المقاتلين، وهي صورة من صور التلاحم بين القائد وشعبه، يؤديها الفرسان أمامه مظهرين بذلك حبهم لأرضهم ومدى انتمائهم واعتزازهم بها ووفائهم وإخلاصهم لقائدهم، وتضمنت العرضة القصائد البطولية التي تعرض أمجاد القادة وإنجازاتهم وتضحيات الآباء وبطولاتهم واستبسالهم للدفاع عن أراضيهم والتغني بالانتصارات. الحدوة «عرضة الخيل» كان الفارس يشارك في أداء العرضة من خلال عرضه على صهوات الجياد، وتسمى بالحدوة، ويعود اسمها في الأصل إلى حداء الخيل، حيث ينفرد الفارس في بأداء العرضة وهو يحدو على صهوة جواده؛ بهدف تعريف نفسه متجاذب الأصوات مع الفرسان الآخرين بفخر وحماسة، ويطلق عليه الحادي، ثم ينضم بعد ذلك إلى صفوف العرضة ويشاركهم وهو على صهوة جواده، وتسمى أيضا «عرضة الخيل». الحوربة تستهل العرضة، بالحوربة، وهو النداء لبدء العرضة، ويطلق عليها كذلك البيشنة، أو الشوباش، حيث ينادي أحد مؤدي العرضة، والذي يطلق عليه المحورب، بصوت مرتفع، ويكون محمولًا على أكتاف الرجال، ليصل مدى صوته مسامع الجميع مسترسلًا ببيت أو بيتين ولا تزيد على ثلاثة أبيات من الشعر الحماسي يستحثهم على الحضور مخبرًا إياهم ببدء العرضة. وبمجرد سماع الحوراب وارتفاع النداء معلنًا بدء العرضة، يبدأ المشاركون في العرضة بتنظيم الصفوف مشكلين صفين متقابلين، ويكون متوسط عددهم من 40 إلى 50 عارضا، وتكون الصفوف متزنة لا يسودها أي خلل، متماسكين بأيدي بعضهم بعضًا، ويقومون (بالنز) وهو التمايل والاهتزاز يمينا وشمالا، ويستمرون إلى حين نزول المحورب وإلقائه الشطر الأول من البيت، ومن ثم يردده الصف الذي من خلفه بالتناوب مع الصف الآخر، ثم يلقي الشطر الثاني من البيت ويردد كل صف البيت الشعري ترديدة جماعية موحدة وتستمر هكذا على النسق نفسه، ومن ثم يبدأ قرع الطبول وتتراقص الصفوف بثني الركب يمينا وشمالا حاملين في أيديهم السيوف متمايلين بها. وحينما سمع بيت يتضمن الفخر والحماسة يرفع أصحاب الصف سيوفهم أعلى من مستوى الرأس مصحوبًا ذلك برفع الصوت إلى أقصى ما يمكن، وتارة يضعون السيوف على أكتافهم، ويجري ذلك وفق اتساق جماعي تام فيما بينهم حامل البيرق ويتوسط أهل الصف حاملًا الراية، التي تعد رمز وعلامة لاجتماع المقاتلين وثباتهم في أثناء المعركة، ويعهد بحمله لشخص معين يسمى حامل البيرق، وقد كانت تلك المهمة تسند إبان الحروب والمعارك إلى أقوى الرجال بنية، وأكثرهم صلابة للحفاظ على الراية مرفوعة خفاقة في حومة المعركة ترفرف معها قلوب الجنود، ولا تزال الراية عنصرًا مهمًا في تشكيل الجيش، وفي العرضة تحديدا فما ينشد في العرضة من أشعار لا يخلو من ذكر الراية البيرق، والفخر في الاستظلال بها، يحملها فوارس کماة، ويتوارث حمل الراية السلالة نفسها من آبائهم وأجدادهم، ويورثونها كذلك إلى أبنائهم من بعدهم؛ لما في ذلك من شرف وعزة ومنزلة يحظى بها حاملو الراية، ويستوجب للراية قياس معين يبلغ عرضها ثلثي طولها وبرأسها حرية ورمانة، وتجمل بالسلاسل.
الزمية وتختم العرضة ب (الزمية) حيث يتجه مؤدو العرضة نحو القائد رافعين سيوفهم مرددين أبياتًا معينة تتضمن الولاء والنصرة له، ومع مرور الزمن وتوحيد أطراف الجزيرة العربية تحت حكم الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – عام 1351 ه (1932م) واستتباب الأمن والأمان في البلاد تحت راية التوحيد لم تندثر العرضة بل ظلت باقية، فلم تعد إقامتها تقتصر على وقت إعلان الحروب وتتويج النصر، بل أصبحت تقام في مناسبات عدة ومختلفة، كالأعياد، واستقبال الملوك والرؤساء، وفي المناسبات الوطنية، والاحتفالات الرسمية والشعبية وهكذا ظلت العرضة رمزا للشجاعة والبسالة، وبقيت سمتها الحربية قائمة في قصائدها البطولية الحربية الحافلة بالحماسة مسطرة أمجاد القادة والأجداد والآباء وتضحياتهم وبطولاتهم. Related Posts: * بالأسماء.. إدارة النشاط الطلابي بالرياض تعلن المرشحين لدخول… * بالأسماء.. «تحفيظ مكة» يعلن أسماء الناجحين في حفظ القرآن * بالأسماء.. إدارة النشاط الطلابي بالرياض تُعلن المجتازين… * بالأسماء.. «تحفيظ مكة» يعلن أسماء الناجحين في حفظ القرآن * بالأسماء.. «التنمية العقارية» يعتمد دفعة قروض جديدة بقيمة… * أمانة الرياض تعلن عن قرعة منح أراضٍ لثلاثة آلاف مواطن