أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط، المسلمين بتقوى الله – عز وجل – في السر والعلن، فإنها وصية الله للأولين والآخرين. وقال فضيلته في خطبة الجمعة، اليوم: «لئن تتابعت النعم، وترادفت المنن، وتكاثرت الآلاء فكانت غيثاً مدراراً لا ينقطع هطوله، وفيضاً غامراً لا يتوقف تدفقه، عطاءً كريماً من ربنا الكريم، وتفضلاً منه على عباده، فإن من نعم الله العظيمة، وآلائه الجميلة، نعمة الأخوة في الدين، تلك الأُخوَّة التي أخبر عنها سبحانه بقوله: (إنما المؤمنون إخوة)، وجعلها رابطة أساسها العقيدة، وعمادها الإيمان، إذ الإيمان قوة جاذبة تبعث أهلها على التقارب والتعاطف والتواد، ولا تنافر بين قلوب اجتمعت على إيمان بالله، وغمرها حب شديد لله، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأضاف فضيلته: التآلف الذي أشار إليه عزَّ اسمه بقوله: (وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفَّتَ بين قلوبهم، ولكنَّ الله ألَّف بينهم إنه عزيز حكيم) والذي صوَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعه في هذا المثل النبوي المشرق فقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى", أخرجه مسلم في الصحيح, ذلك أن الله تعالى- كما قال بعض أهل العلم -: "قد وثق صلات المسلمين خاصة بلُحمةٍ أقوى من النسب، هي وحدة العقيدة بما ينشأ عنها من وجدان مشترك، وتآلف، وتعاطف، وتعاون، وإخاء؛ لأن صلة الدم أو الجنس قد يَمسُّها فتور، وهي أشد ما تكون قرابة، أما وحدة العقيدة فإنها قرابة قوية دائمة متجددة، يذكرها المسلمون وهم ينطقون بالشهادتين في سرهم وجهرهم، ويذكرونها في صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم البيت، ويذكرونها في طاعتهم لله، وخضوعهم له واستعانتهم به، ويذكرونها في كل لمحة عين، أو خفقة قلب، أو تردد نفس". وأشار الدكتور الخياط إلى إن عظم هذه النعمة وشرف منزلتها، ورفعة قدرها، يستوجب كمال العناية بأمرها، وتمام الرعاية لحقوقها، ومن أعظم ذلك وأكده وأوجبه: إغاثة الإخوة في الدين ونصرتهم، ورفع الظلم وصد العدوان عن ديارهم، لاسيما من كان منهم جاراً مجاوراً، فإن له من حقوق الجوار التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تأكدها ولزومها، وتعين القيام بها بقوله عليه الصلاة والسلام: "ما زال جبريل يوصي بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أخرجه الشيخان في صحيحيهما. ومضى فضيلته قائلاً: إنه بالنظر إلى هذين الحقين – حق الأخوة وحق الجوار – وبالنظر إلى طبيعة الرسالة السامية التي تحملها بلاد الحرمين الشريفين للعالمين، وصفة المهمة الشريفة المسندة إليها، باعتبارها بلداً جعله الله تعالى قبلة للمسلمين، ومقصداً للعابدين، وملتقى للإخوة في الدين، ومثابةً للناس لا يقضون من زيارته الوطر، ولا ينالهم في التردد عليه سأم، مع ما أفاض الله عليها من خيرات، وما أفاء عليها من بركات، فقد وفق الله تعالى ولي أمر هذه البلاد المباركة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – إلى اتخاذ هذا الموقف الإسلامي الحازم الرشيد السديد، بالاستجابة لنداء الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية لإغاثة الشعب اليمني المسلم, وحماية الديار اليمنية من بغي وعدوان وطغيان البغاة الطغاة المعتدين, على الشرعية المعترف بها محلياً وعربيّاً ودوليّاً, ولإيقاف تمددهم الذي يهدد أمن الديار اليمنية أوَّلاً, ثم أمن وسلام المنطقة برمتها ثانياً, فكان هذا الموقف بحمد الله موفقاً كلَّ التوفيق, مسدّداً راشداً؛ لأنه يستند إلى قواعد الشرع, ويحتكم إلى مبادئ الدين الحنيف, ويسعى إلى الحفاظ على المصالح العليا للأمة من جهة, وإلى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين من جهة أخرى، فلا غرو أن يحظى بمناصرة ومؤازرة ومعاضدة أهل الإسلام قاطبةً في كل ديارهم وأمصارهم, وإلى تأييد ومساندة ودعم كافة العقلاء والحكماء في كافة أرجاء الأرض، نعمةً منه وفضلاً, يؤتيه من يشاء من عباده. وزاد إمام وخطيب المسجد الحرام يقول: نحمد الله كثيراً على ما أولى هذه البلاد من نعم, والحمد لله كثيراً على ما منَّ به عليها من توفيق قادتها إلى هذا الخير، والحمد لله كثيراً على ما أكرم به من بلوغ المراد, ونصرة الحق, ودحر الباطل, وكبت الحاقدين, وصدِّ المعتدين, وإحباط مساعي العصاة المنشقين الباغين سائلاً الله سبحانه وتعالى المزيد من فضله ونعمائه, ودوام التوفيق إلى رضوانه, وإلى نصر دينه وإعلاء كلمته, والذود عن حرماته, وإغاثة الملهوف من عباده. ودعا فضيلته الله – عز وجل – أن ينصر أبناءنا وإخواننا من العسكريّينَ المرابطين على الثغور, في كافة قطاعاتهم, وأن يؤيدهم بتأييده, ويحفظهم بحفظه, وينصر بهم دينه, ويعلي بهم كلمته, ويحفظ بهم أمن البلاد ومصالح العباد. وقال فضيلته: إنَّ الأمرَ بالوحدة والاجتماع القائمَين على توحيد الله تعالى والاعتصام بحَبله أشدُّ تأكُّداً وأعظم وجوباً وقتَ النوازلِ وزمنَ الخطوب والشدائد داعياً فضيلته المسلمين إلى الحِفاظ على أسباب اتِّحادهم واجتماعِهم، وأن يكونوا يَداً واحدة وقلباً واحداً، وأن يقِلُّوا من الجَدَل، ويكثِروا من العمَل، فإنّه ما ضلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليه إلاَّ أوتُوا الجدَل وسُلِبوا العمل، كما أخبر بذلك، وكما ثبَت عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد حسن من حديث أبي إمامة رضي الله عنه. وحذر الدكتور الخياط من إشاعات المغرضين، ومِن تقديم الأهواء أو النَّزعات، أو المصالح الفرديّة، على مصالح الدِّين والوطن والأمّة، وإنها لأمانة أفلَحَ من أدّاها على وجهِها، وقام بحقوقها واتَّقى الله فيها, ألا وإنّ من ولاه الله أمرَ هذه البلاد قد قام بحمدِ الله بإطفاء نار الفتنةِ، وحماية الحوزةِ، والحفاظ على الوَحدة، وصيانةِ كيان الأمّة، وإغاثة الإخوة في اليمن الشقيق، ورفع الظلم عن ساحتهم، بقطع دابر الفساد والمفسدين، وإعادة الحقِّ إلى نصابه، والحفاظ على أمن بلاد الحرمين الشريفين، وعلى أمن وسلامة المنطقة بأسرها. وأردف فضيلته يقول: إن هذه البلاد المباركة ستبقى – بمشيئة الله تعالى – كما كانت دائماً، وكما أراد الله لها، مَوئلاً للهداية، ومبعَثاً للنّور، ومثابةً للنّاس، وحِصناً حصيناً تتكسَّر عليه أمواج الفتَن، وترتدُّ عن حياضه سهامُ المكرِ، والكيد، والعدوان، والطغيان.