يزعم البعض بأقوال صدقوها وضعوا بعضها وأوّلوا بعضها تبعاً لأهوائهم واستمدوا الكثير منها من أولياء صالحين بزعمهم جعلوهم وساطة بينهم وبين الله تبارك وتعالى ، فأخذوا يحكمون بجنة ونار ، وتكفير وتزكية ، وقتل وبطش ، وتعميم وتخصيص ، وجُرأه في الفتوى والتحجج بشرع الله وسنه نبيه ، والإسلام في حقيقة الأمر منهم بريء . أخبر الله تبارك وتعالى النبي الكريم محمد صَل الله عليه وسلم في الآيه ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾ أن الإسلام كاملا تاما منزهاً عن النقص وما يفعله أهل الضلالة الآن إنما هو ابتداع ومحدثات في الدين ، فطائفية الأديان التي نشهدها الآن بذرائع سقيمة تُنسب لشرع الله لا أساس لها من الصحة ، بل وضع صَل الله عليه وسلم ضوابط تقوم عليها العلاقة مع غير المسلمين ، والتعامل معهم ، وهي آداب وضوابط مبنية على العدل وعدم الظلم ، قال الله تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الممتحنة : 8 ) . ومن المفاهيم الخاطئة أن علاقة المسلم بغير المسلم (الكافر ) علاقة تعنف وشدة وغلظة مطلقه ، وهي خلاف نهج النبي عليه الصلاة والسلام في التعامل معهم ، قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا من ظلم معاهَدَاً ، أو انتقصه حقه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة ) رواه أبو داود . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل نفسا معاهَدَاً لم يَرِح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري . يتحجج البعض أن من صور البراء من الكفار بغضهم ، وعدم الركون إليهم أو التشبه بهم ، ومخالفتهم ، وما إلى ذلك من صور العداوة في الله ، ولا يعلم أن الإسلام يلزمه إلى جانب ذلك معاملتهم بالعدل وعدم الظلم ، والوفاء بالعهد ، والأمانة وعدم الغش والخداع ، قال الله تعالى : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة: من الآية8) . كان بينهم صلى الله عليه وسلم : يرغبهم في الإسلام ويبين لهم محاسنه ، ويظهر لهم حلمه وصفحه ، ويعرفهم موافقة القرآن لما في كتبهم قبل تحريفها ( الترغيب لا الترهيب ) ، حسن الجوار ، يهديهم و يقبل الهديه منهم ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : ذُبِحتْ شاة لابن عمرو في أهله ، فقال : أهديتم لجارنا اليهوديّ ؟، قالوا : لا ، قال : ابعثوا إليه منها ، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورِّثه ) رواه أحمد .وقد قَبِل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس ، وهدية كسرى ، وقبل شاة أُهديت له من اليهود ، الانتفاع منهم من بيع وشراء ، زيارة مريضهم ، عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال : أطع أبا القاسم .. فأسلم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري ، الانتفاع بما عندهم من علوم ، فقد أذِن النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام في أن يأخذ المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علوم الطب والزراعة وغيرها ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر رجلا من بني الديل ، هاديا خِرِّيتا (الماهر بالطرق في السفر) ، وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ) رواه البخاري . قال الشوكاني : " الحديث فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق " . مشاركتهم في المصالح العامة دون بخسهم حقهم ، فقد شارك رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يهود خيبر على أن يعملوا ويزرعوا خَيْبَر ، ولهم شطر ما يخرج منها . قال ابن عمر رضي الله عنهما : (أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر ، فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قُبِض النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري . كان صلى الله عليه وسلم بينهم ولم يفرض عليهم الإسلام إكراها وذلك تطبيقا لقول الله تعالى :{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } (يونس:99) . كان بينهم فهل من متبع لهديه في التعامل مع غير المسلمين ؟! وهل من مفكر كيف هو الحال لو كان بيننا وشهد صراعات المسلمين بعضهم لبعض ؟!