لا يزال المسلمون تمُرُّ بهِم مواسمُ الخيرات والطاعاتِ ,وتضاعَفُ لهم بإذن الله تعالى الأجورُ والحسنات. فبِالأمس القريبِ استقبلَ المسلمون شهرَ رمضانَ المباركِ وعيد الفطر بالشوق والفرَح والبسَمات,ثم ودَّعُوهما بقلوبٍ تخفِق شوقًا إليهِما, وأن يُعيدَهما اللهُ عليهِم أعوامًا مدِيدةً , وبعْدَها تعيش النفوسُ المؤمنة نفَحاتٍ إيمانيةً,وهي تستقبلُ عيدَ الأضحى المباركِ. فالمسلمون متعلِّقون بالله, فقلوبُهم ومشاعرُهم حيّةٌ؛إذ ينتقلون من عِبادةٍ إلى عِبادة,ومِن طاعةٍ إلى أخرى! كيف لا يكُونُ هذا خلُقُهم ؟! وعوالِمُ الكون والمخلوقاتِ جميعُها في خضوعٍ وخشوع وتسبيحٍ لله تعالى! فالعيد شَعيرةٌ دينية إسلاميةٌ جَليلة, تتجلّى فيها أجملُ المعاني الدينية و الإنسانيةِ, والاجتماعية و النفسيةِ, يستقبلُه المسلمون بالفرَح؛ بعد أن أتمَّ اللهُ عليهم أنواعَ العبَادات و الطاعات في شهر الصيَامِ والقيام وتلاوةِ القرآن و الصدَقاتِ,وفي عَشر ذي الحجَّة منَ التكبير والتحميدِ, والتهليل والاستغفارِ. يدْعون اللهَ أن يتقبلَ منهم صالحَ الأعمال والطاعاتِ الكثيرةِ ,ويثيبَهمُ الأجرَ العظيمَ ،ويقضُون هذا اليوم بالأذكار العديدة, وأعمال الخير, ويعظِّمون تلك الشعيرةَ بالتقوى والطاعة ومراقبة الله. قال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل. وقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحَجّ .وعلى المسْلم اصطحابُ الأولاد إلى مصَلّى العيد, وتعليمُهم هذه الشعيرةَ وسُنَنَها وأهدافَها الساميةَ', وتنبيهَهم عند ذبْحِ الأضاحيّ ؛تفاديًا للأخطاء والإخطار.والابتعادُ عنِ الأعياد المزعومةِ التي انتشرت في الأمة الإسلاميةِ باسْمِ المدنية والحضارةِ ، وتُصرَفُ عليها الأموالُ الطائلةُ. قال صلى الله عليه وسلم:( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا ًلَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم.وليس فرَحُ العيد بالغَفلة عنِ الله, و الإسرافِ في المأكل والمشربِ والملبس, والرجوعِ إلى التقصير والزلّاتِ والمعاصي والغفَلات, والتباهي بالألعاب الناريةِ والمفرقعات التي أضرّت بالمجتمع ماديًّا وصحيًّا ونفسيًّا, و قلَبَت أفراح العيد إلى مآسيَ وهموم وأحزان .وللمسلمين عيدانِ: عيدُ الفطر والأضحى،عَنْ أَنَسٍ بْنِ مالكٍ ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ) رواهُ أبو داود والنسائي. فالعيد مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى ، فيه الصلاة و الذكر و التكبير و التحميد و التهليل و التسبيح و الدعاء , وهو يوم أكْلٍ وشرْب وذكْرٍ بِما يُرضي اللهَ تعالى، وفيه تتجلّى أجملُ صوَر الترابط الأسَري و الاجتماعي , و تقوى صلاتُ الأرحام بالحُب و الصفاء و التآلفِ و الإخاء , و تفرَح القلوب , و تسْعد النفوس ,واحرص أخي المسلم كما استقبلتَ رمضانَ بالفرح و السرور , و أتمَّه الله عليك إن شاء الله بالثواب و القبول, أن تستقبلَ هذا العيدَ , و أن تودِّعَه بما يرضِي الله سبحانه و تعالى من َالإنابة إلى الله , و المداومة على فعل الخيرات والطاعات في سائر الأيام و الشهور و الأعوام ,فهي الخير و الفلاح , و البعد عن الذنوب و المعاصي التي جلَبتْ لأصحابها الهموم و الحسرات. فليس العيدُ لِمنْ لبِس الجديدَ ,وتفاخر بالجاهِ والمال والعددِ والعديد , إنما العيدُ لمن خاف يوم الوعيد، و الشاعر يقولُ واعظًا متَّعِظًا معتبِرًا: ليس العيدُ لمن لبس الجديدَ *ولكن التقيَّ هو السعيدُ ليسَ العيد لمن لبس الجديد *إنما العيد لمن طاعتُه تزيدُ ليس العيد لمن لبس الجديد *إنما العيد لمن نجا يومَ الوعيد.