* قبل عقد من الزمان، احتضن مسرح جامعة اليمامة بالرياض مسرحيّة (وسطي بلا وسطيّة)، وعلى غير العادة، كانت المقاعد الأولى مشغولة بشخصيّات لا تبدو عليها سمات الاهتمام بالفن، شمغ بلا عقل، ثياب قصيرة، ومشالح سوداء، أثارت شيئًا من القلق لدى منظمي المسرحيّة، لكنهم فضّلوا الاستمرار في عرضها، احترامًا للحضور والتزامًا بالموعد المتّفق عليه. أصحاب المقاعد الأماميّة ظلوا متربصين ومنتظرين لأول شرارة تثير استياءهم، وفعلاً أتت الشرارة عندما كان أحد الممثلين يرتدي عباءة امرأة، كتجسيد لدور الأنثى الغائبة عن خشبة المسرح، وكانت تلك الإطلالة النسويّة غير الحقيقيّة إيذانًا لمعركة ضروس اقتحمت من خلالها تلك الثلّة صالة العرض، في منظر غير حضاري ويضمر أبشع سلوكيّات العنف، وتحوّلت المسرحيّة إلى حلبة مصارعة لا مثيل لها. ورغم قسوة الأحداث ورجعيّتها، إلا أنها ألهمت شبابًا سعوديين لبلورتها كعمل سينمائيّ جديد تحت مسمى (وسطي)، من إخراج علي الكلثمي وبطولة مؤيد النفيعي ومحمد الحمدان وإنتاج تلفاز11، واستعاد الفيلم بدقّة حادثة مسرح جامعة اليمامة، لا بوصفه موقفًا عابرًا يمكن تناسيه، وإنما كعلامة فارقة على حالة الاحتقان المجتمعي ضدّ الآخر المختلف، وضد الثقافة والفن وما تفرزانه من أعمال فنيّة تروم النقد والبناء. كان لي فرصة حضور العمل السينمائي (وسطي) في صالة عرض جامعة اليمامة، وهو ذات المكان الذي حدثت فيه المعركة المشؤومة، لكنه هذه المرة أكثر جمالاً وتنفسًا للفنّ وإبداعاته، وتأكدت حقًا بأننا نمتلك شبابًا واعيًا وقادرًا على تحدي أحلك الظروف والخروج من عنق الزجاجة ليحيا كما يريد، وكل ما ينتظره هو الدعم وتوفير الإمكانات اللازمة ليصنع واقعًا جديدًا يليق بمجتمعنا إزاء التحولات الراهنة والمتسارعة، وهؤلاء الشباب هم من سيغيرون نظرة الآخر للمجتمع السعودي، وهم من سيبني صرحًا مستقبليًا يبرهن على أن قوّة المملكة في شبابها، في زمن ثقافة الصورة التي استحوذت على الفضاء الإنساني برمته حتى بات الفيلم الواحد أكثر تأثيرًا من ألف محاضرة وعظية وقصائد شعريّة. * ماجستير في النقد والنظرية