أذابت العطور الباريسية والورود الحمراء والابتسامات الدبلوماسية، جبال الجليد التي بدت تحل على مجمع الملك سعود الطبي، الذي هيأ قاعة المحاضرات بالمبنى الأكاديمي، لمناقشة المشكلة الاجتماعية المتمثلة في الحماية من العنف الأسري، والتي حظيت برعاية المشرف العام على المجمع الدكتور عدنان العبدالكريم. وقبل دقائق من البدء في مناقشة القضية البارزة، سرعان ما تحول نشاط عدد من الحاضرات إلى تبادل للهدايا التي لم تكن سوى ورود حمراء وبيضاء، عكست الرغبة الجادة في تهدئة الخواطر، استعدادا لمناقشات حامية. لم تكن ندوة العنف الأسري الأولى التي يتناولها مختصون، لكن المحاور التي بدأت بها اللجنة، وطبيعة المشاركين كان لها تأثير كبير في توجيه دفة القضية، بينما برز دور اللجنة المنظمة للندوة في توزيع المشاركين والمشاركات، قبل دقائق من وصول العبدالكريم لافتتاح فعاليات الندوة، حيث حرص على التقاط الصور التذكارية مع بعض المشاركين، قبل التوجه للمنصة الرئيسية لبدء الفعاليات. تلاعب الطبيبات لكن مدير الطب الشرعي ورئيس فريق الحماية بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض الدكتور سعيد الغامدي، فجر الموقف بالإعلان عن نماذج واقعية لحالات ادّعت انتهاك عذريتها، ليخلص بتأكيد أن: «بعض طبيبات النساء والولادة بالمراكز والمستشفيات الخاصة يقمن بإعداد تقارير لتشخيصات خاطئة باعتداءات جنسية لنساء لم يتعرضن لها». وحرص الغامدي من البداية على ترك الخيار مفتوحا أمام الحاضرات والحضور، حيث غلبت على القاعة اللهجة الفلبينية، مؤكدا أنه سيروي النماذج الواقعية: «من أراد البقاء فله ذلك، ومن يتحفظ على الاستماع، يمكنه الخروج من القاعة، لأنه سيتم عرض النماذج بصورة واضحة، وصولا للنتائج المأمولة، في تشخيص المرض». بداية الندوة حرص مدير الطب الشرعي ورئيس فريق الحماية بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض الدكتور سعيد الغامدي، في بداية محاضرته التي حملت عنوان «تنظيم التعامل مع حالات العنف والإيذاء وكيفية الكشف على الإصابات»، على أنه: «أي لجان منظمة توجد بها مشاركة نسائية، فالفعاليات تكون ناجحة بكل المقاييس». وسرد تفاصيل عن برنامج التنظيم الذي يختص بحماية الأطفال والنساء وكبار السن والمعاقين والخدم، والذي تم بدء العمل به منذ أن عممته وزارة الصحة قبل سنتين: «تم توزيعه على جميع الجهات والهيئات، وألزمت بتنفيذه، والبرنامج نجح في منطقة الرياض»، وأقيمت ندوة العام الماضي التي توصلت إلى إحصائية، بينما تقام ندوة أخرى الثلاثاء المقبل. وأوضح أن: «التنظيم يتلخص في التعامل المهني، فالطبيب يتعامل مهنيا مع المراجع المريض أو المصاب أو المعنف، كما يتضمن رصد ومتابعة حالات العنف والإيذاء والإهمال التي تتعامل معها المنشأة الصحية من الناحية العلاجية والرصد والتنسيق مع الجهات الأخرى ولجان الحماية الاجتماعية في الرياض أو المدن الأخرى، وبعد الانتهاء من علاج الحالة، يستكمل التنظيم بالاتصالات مع الوزارات والجهات المعنية الأخرى، وهناك نظام كيف تتعامل مع هذه الحالات من ناحية الرصد أو الحماية أو العلاج، وتتوفر استمارات معينة لتبليغ الشرطة وخطابات للجان الحماية». وأشار إلى توفر قاعدة معلومات: « كل إحصاء ترفع لوزارة الصحة تكون المرجع الرئيسي لنشر إحصاءات رسمية في المملكة، عن حالات العنف الأسري، ولا يؤخذ بأي إحصاءات أخرى، وهذا سيعلن عنه في القريب العاجل». الحالات المعنفة وحدد الغامدي الحالات المعرضة للعنف في الأسرة: «تشمل الأطفال وكبار السن والعجزة والخدم والنساء، ويجب التبليغ في حالة تعرض إحدى هذه الفئات لحالة من حالات العنف، كذلك كل الجهات ملزمة بالإبلاغ مثلها مثل أي إصابة أو الحالات الجنائية الأخرى حسب النظام»، مشيدا بإنشاء فريق الحماية الأسرية بالشؤون الصحية الذي يهتم باللجان الموزعة في منطقة الرياض ووظيفته تقييم الحالات ومساعدة اللجان وجمع الإحصاءات والتنسيق مع بقية الجهات الأخرى وشرح الحالات وإقامة الندوات والمشاركة في إدارة الحماية في المنطقة وإعداد التقارير السنوية والتواصل مع الإدارة العامة للصحة النفسية. لجان الحماية وتطرق إلى إجراءات وزارة الصحة بإلزام كل مستشفى بإنشاء لجنة حماية العنف من الإيذاء: « مهامها المشاركة في تقييم الحالة التي تدخل الإسعاف، حيث يشرف عليها الاختصاصي المناوب، ثم يبلغ اللجنة وبدورها تقوم بعملية الإشراف على علاج ومتابعة حماية هذا المعنف، واللجنة تتكون من المدير الطبي بالمنشأة رئيسا، ومدير قسم التمريض عضوا، والطبيب المعالج عضو وقتي، واختصاصي اجتماعي ودوره منسق في اللجنة، وعليه الحمل الأكبر في متابعة الحالة سواء مع بقية أعضاء اللجنة أو مع فريق الحماية بالشؤون الصحية أو مع الشؤون الاجتماعية أو مع الشرطة». وبين أن جميع المنشآت الصحية ملتزمة بوضع آلية داخلية عن طريق التبليغ أو أعضاء اللجان عن عملية اجتماعها، وكل مستشفى له طريقة خاصة في تطبيق التنظيم: «حالات الاعتداء الجنسية تظل عشوائية في كثير من هذه القضايا، فكل منطقة لديها تنظيم محدد يجب الالتزام به وعدم تجاوزه سواء من الناحية الشرعية أو القضائية أو الأمنية أو الإجرائية». برنامج في الشميسي وشرح كيفية التعامل مع الحالات: «يتم الإجراء مع الطبيب المعالج، وفي فترة تتراوح بين 24 إلى 36 ساعة تكون القضية شبه منتهية، وترفع استمارة للجنة الحماية والشؤون الاجتماعية والشرطة، وهناك برنامج المراكز لحماية الطفل، حيث تم فتح مركز في مستشفى الشميسي وآخر سيفتتح في مستشفى الأمير سلمان خلال الفترة المقبلة، وهذه المراكز لها برنامج خاص وآلية معينة تختلف عن تقييمنا نسبيا، ولها نماذج واستمارات تختص بها ترصد بطريقة تختلف عن لجان الحماية الأخرى، وترفع بسجلات إلى إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة وبدورها ترصد كل الحالات المحولة من مراكز حماية الطفل بالمملكة، كما سيصدر تعميم جديد من وزارة الصحة لحماية الأطفال واستكمال إجراءاتهم. انتقاد الأطباء وعرف الغامدي الإصابة بأنها أي قوة طبقت على الجسم سينتج عنها إصابة سواء طعنة أو كدمة أو لكمة، مشيرا إلى أن هذا التصنيف مهم للطبيب لأنه في النهاية كيف أعرف أن هذا عنف أسري. وانتقد الغامدي ما عده اعتماد 99 % من الأطباء على تقييم الطبيعة فقط: «يحددون إصابة بسيطة ويقيمون الشفاء بعشرة أيام، والمتوسطة وتقيم بمدة تتراوح من شهر لشهرين، والإصابة البليغة قد يموت الشخص، ومن المفروض أن يتجاوز الأطباء هذه المرحلة، والدخول إلى التصنيفات الأكبر وهي طريقة وصف الإصابة، ليبين الطبيب ما إذا كانت إصابة دفاعية أو جنائية أو عرضية، لأن وصف الجروح يكون لمعرفة إنها إصابة عنف وليست عرضية». ادعاءات كاذبة وحذر من افتعال بعض السيدات للجروح: «يمكن للرجل أن يعنف المرأة في أي مكان في الوجه في العين أو البطن، إنما هي قد تفتعل في نفسها الجروح في أماكن غير خطيرة». وقبل أن يعرج مدير الطب الشرعي لسرد العديد من حالات الافتعال، طلب من الحضور حسم أمرهم: «استبيح الإخوة والأخوات لعرض شرائح جنسية، فمن أراد الخروج فلا مانع ومن أراد المتابعة، فلا مانع فهناك شرائح لبعض الحالات، أبرزها امرأة حامل ادعت على شخص بأنه اغتصبها، وتم فحصها من قِبل طبيبات وكُتب تقرير بفض عذريتها، ولكن وجدنا أن عذريتها سليمة 100 %، والمرأة لا تزال بكرا، وهناك امرأة أخرى ادّعت اغتصابها، وخروج الدماء، وذهبت لطبيبات كشفن عليها وكتبن لها تقريرا طبيا إن لديها تهتكا في العذرية، على الرغم من أن المرأة لا تزال بكرا، واتضح أن هناك ثنية، وهي سليمة من الناحية الطبية الشرعية ولم تتعرض للإصابة وادعاؤها كاذب، بينما امرأة ثالثة ادعت اغتصابها قبل خمسة أيام، ولكن اكتشفنا أن عذريتها انتهت منذ شهور أو سنين، وأن حالتها لا تمثل حالة اغتصاب». وانتهز الغامدي هذه النماذج لتأكيد أنه: «للأسف إن بعض طبيبات النساء والولادة بالمراكز والمستشفيات الخاصة يقمن بإعداد تقارير لتشخيصات خاطئة باعتداءات جنسية لنساء لم يتعرضن لها». إحصاءات العنف وكشف الباحث في مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية الدكتور محمد الضبيطي، في محاضرته عن «دور الأجهزة الأمنية في حماية الأسرة»، إحصاءات وردت في دراسة حديثة لوزارة الداخلية عن «ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي»، حيث أبرزت أن الفئة العمرية من الأطفال الأكثر تعرضا للإيذاء من أولياء أمورهم أو غيرهم تتراوح أعمارهم بين 7 – 9 أعوام، تليهم الفئة العمرية من10-12 عاما، واحتلت مدينة الرياض المرتبة الأولى من حيث أعلى نسبة اعتداء ضد الأطفال، وجاءت في المرتبة الثانية مدينة جدة، يليها مكةالمكرمة ثم الطائف ثم الدمام. وأوضح أنه وفقا للدراسة فإن الحالة الصحية للأطفال الذين تعرضوا للإيذاء كانت ما بين رديئة وجيدة بنسب متساوية، بينما نسبة قليلة حالتهم الصحية ممتازة. وتطرق إلى الدور الأمني: «قامت وزارة الداخلية بدور كبير في سبيل التصدي لجميع مظاهر العنف الأسري، وهناك الدور التشريعي الذي شاركت فيه الوزارة إلى جانب هيئة الخبراء بمجلس الوزراء ووزارة العدل والشؤون الإسلامية ووزارة الصحة والتربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية وهيئة حقوق الإنسان في إعداد مشروع نظام الحد من الإيذاء ومشروع آخر نظام الحد من إيذاء الأطفال، حيث إن المشروعين لا يزالان قيد الدراسة، وسوف يريان النور قريبا». 11658 قضية وشرح الضبيطي أسبابا متعددة ومختلفة للعنف الأسري: «لا يمكن اعتماد سبب رئيسي واحد إلا أن من أهم أسباب العنف المال والمخدرات والمسكرات». وتناول عدد القضايا التي كشفها الأمن العام ضمن العنف الأسري عام 1430 ما يقارب 11658 قضية: «كشف تقرير لهيئة حقوق الإنسان صدر عام 1431 ه، أن إدمان المخدرات الدافع الأكبر لما قد تتعرض له المرأة من عنف على يد زوجها أو ذويها، وتلعب المديرية العامة لمكافحة المخدرات دورا رئيسيا في هذا الخصوص، فالأجهزة الأمنية تباشر قضايا العنف بشكل عام وقضايا العنف الأسري بشكل خاص وتتخذ الإجراءات الوقائية والاحترازية بمنع وقوعها، وهناك تنسيق مع مراكز الشرط ولجنة الحماية من مندوب الشرطة في تلك اللجنة في كل ما من شأنه دعم ومساندة أعمال الحماية الاجتماعية التي تقدم لضحايا العنف الأسري، ومع إدارة الحماية الاجتماعية ومع الجمعيات الخيرية بالمملكة». وشدد على أن: «حالات الاعتداء على الأطفال والنساء بوجه عام تعد قضايا جنائية، يتم مباشرتها من قِبل مراكز وأقسام الشرط كأي قضية جنائية أخرى يتم إبلاغ الشرطة بها وبالجدية والاهتمام نفسهما مع تأكيد مراعاة الجوانب السرية والأسرية والخصوصية التي تتسم بها عادة مثل تلك القضايا، هذا بالنسبة إلى الحالات الكبيرة، أما الحالات البسيطة التي لا ينجم عنها أي أذى ولا تشكل خطرا على المجني عليه، فيتم إسداء النصح وإثبات ذلك في محاضر خاصة فيما في ذلك تنازل المدعي والتعهد عليه بعدم تكرار ما يرد منه يكون مرجعا في حالة تكرار البلاغ». مواقع العنف وكشف أن أغلب قضايا العنف الأسري تقع في أماكن آمنة، وربما الضحية لا يكشف ما تعرض له من إيذاء، لخوفه من الجاني وتهديده له أو خوفا من الفضيحة، أو عرف التقاليد في تلك البيئة التي يعيش فيها: « شكلت لجنة من الجهات تضم وزارة الداخلية والأمن العام وهيئة التحقيق والادعاء العام ووزارة التعليم العالي والثقافة والصحة، لتحديد دور كل جهة من تلك الجهات لمواجهة العنف الأسري، وهذه اللجنة قد انتهت أعمالها وتم رفع نتائجها لوزارة الداخلية لتعميمها على جميع الجهات». رعاية وسكن وتناولت عضو اللجنة الإعلامية باللجنة الاجتماعية للمرأة والطفل وسيلة الحلبي حرص اللجنة على تسكين الحالات التي ليس لديها سكن: «تم أخيرا تسكين أسرة مكونة من 12 شخصا». وأوضحت أن ظلم الأزواج بترك المنزل وعدم الصرف على زوجته وأبنائه أشد من العنف نفسه، وهذه الحالات أصبحت كثيرة تدق ناقوس الخطر في المجتمع السعودي .