الرأي راعياً إعلامياً لموسم سباقات الخيل بميدان فروسية الدمام    زلزال بقوة 5.1 درجة يهز وسط إيران    الشباب يُحدد موقف حمدالله    رحيل دوفرينيس عن تد ريب الباطن    الاتحاد يدخل صراع على جوهرة إسبانية    بوتين: روسيا ستوقف القتال إذا انسحبت أوكرانيا من أراض تطالب بها موسكو    منتدى مكة لريادة الأعمال يختتم فعالياته بإنجازات ورؤية جديدة    غرفة تبوك‬⁩ تنظم ورشة عمل (الابتكار وريادة الأعمال    فوز الهيئة السعودية للسياحة بعضوية في منظمة السياحة العالمية    نائب أمير حائل يرفع شكره و امتنانه للقيادة    إجازة الخريف تسجل أسعارا فلكية للفنادق والطيران    الرياض تستضيف المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار في المتاحف    جازان تودع شاعرها المدخلي    المنتخب البرتغالي بطلاً لكأس العالم تحت 17 عاماً    القادسية يصل جدة لمواجهة الأهلي    التسامح.. حين تصبح القيم مشروعًا وطنيًا    إحالة 6 أشخاص للنيابة لنشرهم محتوى يؤجج الرأي العام    فرانك: واثق في إعادة توتنهام إلى المسار الصحيح    أمر ملكي بتمديد خدمة نائب أمير حائل لأربع سنوات    مقاربة أمريكية إسرائيلية لتفادي الحرب المباشرة مع إيران    رئيسة تنزانيا تؤكد اعتزازها بمتانة العلاقات السعودية ببلادها    ضبط (8) مخالفين في جازان لتهريبهم (160) كجم "قات"    الأمين العام لمجلس الشورى يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أمينًا عامًا للمجلس    الجبير يستقبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة    تجمع الرياض الصحي الأول يعزّز جاهزية الرعاية الصحية في معرض الطيران السعودي 2025    بدر الشهري مديرًا لإدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة    السيف العقارية تستحوذ على أرض صناعية في الظهران بمساحة مليون م2 وبقيمة تتجاوز 430 مليون ريال    الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على مدينة طوباس لليوم الثاني على التوالي    حوارات تحت سقف واحد.. بين الفردية وشراكة الحياة الزوجية    «سلمان للإغاثة» يوزّع 750 كرتون تمر في مديريتي الضليعة وغيل بن يمين بمحافظة حضرموت    "التخصصي" يستضيف قمّة التعاون في الجراحة الروبوتية بالرياض    العرض السعودي مزاد عاطفي يشارك في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على روزنامة "مهرجان جازان 2026    فوز كاتبة فرنسية بجائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة    علماء صينيون يطورون لسانا اصطناعيا لقياس مستوى الطعم الحار    وسط تحذيرات إسرائيلية من تصعيد محتمل.. اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص    «الثقافة» تعزز الهوية الوطنية في المؤسسات التعليمية    أكد أن مؤتمر «حل الدولتين» حقق نجاحاً كبيراً.. الدوسري: توظيف العمل الإعلامي العربي لخدمة القضية الفلسطينية    تقليد إلفيس بريسلي ينهي مسيرة قاض    تقمص هيئة والدته «المتوفاة» لأخذ معاشها    وسط خلافات مستمرة حول بنود حساسة.. الكرملين يؤكد استلام النسخة الجديدة من «خطة السلام»    استعرضا عدداً من المبادرات والمشروعات التطويرية.. أمير المدينة والربيعة يناقشان الارتقاء بتجربة الحجاج    عبر منظومة خدمات لضيوف الرحمن.. الحج: 13.9 مليون مرة أداء للعمرة خلال جمادى الأولى    الجيش يطالب بانسحابها من المدن.. قوات الدعم السريع تنقض الهدنة    أكد أهمية دور الأسرة.. رئيس جمعية حقوق الإنسان: تعزيز الحماية الرقمية يحد من العنف ضد المرأة    «هيئة العقار»: تعديلات نظام التسجيل العيني تحفظ الحقوق    خلال المؤتمر العالمي ال48 في جنيف.. السعودية تحرز 18 جائزة دولية عن تميز مستشفياتها    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح أوروبا    الباحة تقود الارتفاع الربعي للعقار    ملف الرفات وتحديات الهدنة: تبادل هش ومصير معلق في غزة    إتاحة التنزه بمحمية الطوقي    المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب يعقد أعمال دورته ال21    الأمن العام يدعو ضيوف الرحمن إلى الالتزام بالممرات المخصصة داخل الحرم    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية الفلبين    تعديل بعض مواد نظام التسجيل العيني للعقار.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظامي الرياضة والرقابة المالية و«إستراتيجية التخصيص»    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة باجتماع مجلس الدفاع المشترك.. تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين دول التعاون    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محرومون من التعليم ب.. أمر »هوية متعثرة»
نشر في شمس يوم 05 - 06 - 2010

في مكان منزوٍ بشارع سوق شعبية في مدينة الخبر، رأيناه يصرخ بأعلى صوته ترويجا لبضاعة فرشها أمامه، يحاول أن يتخلص منها بيعا مقابل دراهم معدودات، ملامحه الطفولية لا تعبر بعمره عن حاجز ال12 ربيعا، لا يخجل من ملابسه الرثة، التي بالكاد تقيه هجير الصيف أو برد الشتاء، اقتربت منه، للتعرف على حجم معاناته أو صبره: «هل ذهبت للمدرسة؟ ».
فكان النفي سيد الموقف: «أعمل، ولا وقت للمدرسة في جدول حياتي».
لكنه سرعان ما سحب بساط لسانه، وأودعه جوفه النحيل، خيفة وتوجسا، من السؤال؛ ليحسم الخوف بالانسحاب من خريطة المكان، حاملا بضاعته، ومبتعدا عن أسئلة مشابهة يعدها في نظره لا تسمن ولا تغني من جوع.
أم الأطفال التسعة
في حي الثقبة في الخبر، نموذج آخر، منزوٍ داخل جدران أربعة؛ حيث تسكن وحيدة مع أطفالها التسعة، بعد أن مات زوجها قبل عام وستة أشهر، تركها تجابه قسوة الحياة بصغارها، لا هوية لهم، بسبب إهمالهم ومماطلة إضافتهم، مما جعلها تلجأ إلى الجمعيات الخيرية طلبا للمساعدة سواء لتعليم أبنائها، أو لإطعامهم.
أم فهد أو أم الأيتام، كما يحلو للناس مناداتها، تتكلم بنبرات تمتزج بالتفاؤل تارة، وبالحزن تارة أخرى: «زوجي، لم يكن يهتم بمسألة تعليم الأبناء، كان يرى أن التعليم ليس بذات الأهمية التي تجعله يسارع إلى إضافة أبنائه إلى الهوية، وبالفعل مات قبل أن يفعل هذا الأمر المهم، وتركني أعارك للحصول على هوية لأبنائي كي يأخذوا حظهم من التعليم، بيد أن عمهم وقف لي بالمرصاد، وأخذ يماطل كون المعاملة في منطقة جازان ، وأسهمت حالتي المادية الضعيفة في التوقف عن متابعة المعاملة برهة من الزمن».
بسطة الصبر
أم فهد تذهب إلى كورنيش الخبر، لتبيع الزوار من خلال بسطة صغيرة، العصائر والمأكولات وبعض الألعاب، ترافقها اثنتان من بناتها، 14 15عاما، لكنها لما علمت بأمر الجمعية أخلدت ظهرها إليها، فحصلت على معاش؛ مصروفا يغنيها عن البيع على الكورنيش.
الفقر، وقلة الحيلة، وضعفها كونها امراة وحيدة، كلها عوامل أسهمت في عدم دخول أربعة من أبنائها المدرسة: «مايا» ذات ال12 عاما، لا تملك ما يثبت هويتها كي تدخل المدرسة، وكذلك أختها التي تبلغ، ثمانية أعوام، وأختها الأخرى ،عشرة أعوام، وأخوها الذي يبلغ سبعة أعوام، وهو أكثر من تتخوف على مصيره: «النظام يستوجب وجود ما يثبت هويتهم، وإلا فإن المدارس توصد أبوابها لمن هم على شاكلتهم».
بيد أن أم فهد لا تزال تتمسك بشموع الأمل: «بعد أيام أنا على موعد مع ما يثبت نسبهم إلى والدهم، وأتمنى صدق الوعد ونهاية هذه المعضلة التي عايشتها لأعوام».
الطلاق السبب
كان الطلاق حاضرا في رواية ثانية، متشابهة في قاموس المعاناة، كان طلاقها بداية الأزمة في حياتها، حيث تزامن مع أزمة الخليج على حد قول أم سامي، التي لا تملك ثمن إصلاح ثلاجتها المعطوبة منذ فترة، فيما يقبع عدد من أبنائها في السجن لقضايا متفرقة، فراحت بصغارها تبحث عن مأوى يكفيها ذل المبيت عند الآخرين: «أبنائي لديهم أوراق ثبوتية، إلا أن الفقر حرمهم التعليم، منهم من لم يستطع إكمال دراسته، واكتفى بالابتدائية؛ لأن الحالة المادية لا تسمح بمواصلة تعليمهم، فيما إخوانهم الآن في السجن لقضايا متفرقة، بعضها بسبب الرفقة السيئة، والبعض الآخر لا يجب الإفصاح عنه، فهي في ستر الله».
ترى أم سامي أن الأوراق الثبوتية لم تكن يوما ما سببا في حرمان أبنائها من التعليم، بل كان الطلاق معول هدم: «الأسرة يزيد فقرها، مما أفرز أبناء بلا تعليم، وأم تعيش على إحسان فاعلي الخير».
حالات متضررة
رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية في جمعية ود الخيرية للتكافل والتنمية الأسرية بالخبر حصة العليان تكشف أن: «عدد الأسر التي تعاني من مشكلة عدم دخول أبنائها للمدارس يصل إلى 20 أسرة من جملة 800 أسرة ترعاها الجمعية في الخبر، ويأتي عدم وجود الأوراق الثبوتية أحد أبرز الأسباب الداعية إلى تأخرهم عن ركب التعليم: «الجمعية بادرت بإرسال هذه الحالات إلى كل من إدارة التعليم، التي بدورها أحالت المعاملة إلى إدارة القبول والتسجيل، حيث أفادت بالشروط اللازمة للقبول والتي من أهمها إثبات البنوة، وإرسال الحالات إلى إمارة المنطقة الشرقية، والتي بدورها طلبت تحويل الحالات إلى إمارة جازان بناء على الشهادات التي تحملها الأسر للتأكد من صحتها، علاوة على إرسال الحالات لجمعية حقوق الإنسان، لمتابعة حق الأطفال في التعليم».
ولاحظت أن الفتيات المحرومات أكثر عددا من الشباب: «الفتيات يتفوقن على الشباب حيث هن الفئة الأكثر تضررا من الحرمان من التعليم، حيث رصدنا حرمان 109 حالات، منها 61 فتاة وسيدة تابعة للأسر التي ترعاها الجمعية حرمن من التعليم، بسبب عدم وجود أوراق ثبوتية، فيما حرم 48 طفلا وشابا من الأسر نفسها من التعليم».
وتبين العليان أن موضوع الأطفال المحرومين من التعليم بسبب هويتهم لا يزال تحت الدراسة، وبانتظار الحلول التي تضعها الجهات القانونية لتتمكن الجمعية من وضع حلول بما يتوافق معها.
موظفة متضررة
منيرة الحربي مديرة جمعية جود النسائية الخيرية بالدمام، تشير أيضا إلى أن الحالات المحرومة من التعليم، تمر على الجمعية التي ترعى ما يزيد على 1500 أسرة، منها أسر دائمة وأسر طارئة. وترى أن هؤلاء الأطفال محرمون من لذة التعليم ودخول حياة النور أسوة بأقرانهم بذنب لم تقترفه أيديهم، إنما عصفت بهم مشكلات أسرهم ليجدوا أنفسهم وسط دوامة الحياة وأمواجها التي لا ترحم.
وتكشف أن: «إهمال تعليم الأبناء بات كالنار في الهشيم، حتى وصل إلى الجمعية؛ فإحدى موظفات الجمعية لا تستطيع إدخال أبنائها للمدارس بسبب عدم وجود الأوراق الثبوتية بعد معاناتها من هجران زوجها منذ مدة تتعدى ثمانية أعوام».
مخاطبات تربوية
وتعتبر أن عدم وجود الأوراق الثبوتية للأطفال أعاق دخولهم المدارس لأعوام طويلة، إما بسبب هجر الزوج للزوجة، وإما لانفصال وتعنت الآباء في عدم استخراج ما يثبت أبوتهم لهؤلاء الأطفال، وغيرها من الأسباب التي تؤدي جميعها إلى النتيجة نفسها، وهم أطفال ليس بمقدورهم أن ينالوا حقهم الطبيعي من التعليم ومن العلاج: «جمعية جود وغيرها من الجمعيات تقوم بدورها حيال هذه الحالات التي تشكل نسبتها ما يزيد على 20 % من إجمالي عدد الأسر التي ترعاهم الجمعية ويعانون من هذه المعضلة، وتظهر بجلاء أكثر عند الأسر الفقيرة والمحتاجة، ونحاول قدر المستطاع مخاطبة مديري المدارس، كي يتم قبولهم وانخراطهم في المنظومة التعليمية ليواكبوا أقرانهم، ولمسنا تجاوبا من بعض المديرين في قبول الأطفال المحرومين بسبب الهوية، بيد أنه في الفترة الأخيرة لم يعودوا يستجيبوا لذات الطلب إلا بورقة من قبل إدارة التعليم».
حلول مؤقتة
واضطرت الجمعية خلال العام الجاري إلى تحويل كل الحالات الخاصة بالأطفال المحرومين من التعليم إلى هيئة حقوق الإنسان كحل أخير بعد استنفاد كل الحلول المؤقتة، بما فيها حلول جانب الإشراف الاجتماعي وإداراة التعليم بالمنطقة: «هذه المشكلة كبيرة للغاية وتحتاج إلى حل جذري وحاسم وآلية خاصة من قبل الجهات المسؤولة، وليست حلولا وقتية تذهب أدراجها مع تقادم السنين، لا سيما أن المشكلة تعصف بمستقبل أسر بمجملها إلى غياهب المجهول ، حيث غالبا ما تتلقف هذه الأطفال أيدي العصابات من شبكات دعارة ومخدرات وتسول؛ لأن عدم قدرتهم على التعليم تجبرهم على العمل لكسب قوت يومهم وقوت أهلهم، وتجبرهم الحالة المادية المتردية على اتباع أصحاب تلك العصابات من أجل حفنة من المال يسدون بها الأفواه الجائعة».
دراسة مرتقبة
وتحدد الحربي المجالات التي يعمل فيها هؤلاء المحرومون من التعليم: «بين غسيل السيارات وسوق الحراج يتنقل هؤلاء الأطفال، بحثا عن لقمة العيش، وإن كانوا قلة إلا أنهم يحتلون مساحة في خريطة المجتمع، بسبب قلة ذات اليد وعدم قدرتهم على التعليم إما لغياب ورقة تثبت هويتهم، وإما لإجبار أهلهم على العمل، وهذه في الحالات لما فوق 12 عاما، فيما بعض الأهالي يخرجون أبناءهم من ركب التعليم وهم بأوراقهم الثبوتية، بسبب تردي الحالة المادية، إلى جانب عدم قدرة العائل على الإنفاق ومواصلة تعليم أبنائه، وخاصة البنات منهم بسبب كثرة أفراد الأسرة ذاتها، وهنا تتشكل فئة من الأطفال المحرومين من التعليم بأثر رجعي، يطبق على أنفاسهم شبح الفقر، وتعتزم الجمعية عمل دراسة عن هذه الفئة ممن حرمتهم الظروف من مواصلة تعليمهم؛ للخروج بإحصاءات ترفع للجهات المعنية لمعالجة أحوال هذه الفئة»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.