أيام قليلة وينفض السامر في قاعات الدروس، وينتظم الطلاب في صفوف الاختبارات لوضع النقاط على الحروف، بعضهم يشغل بالهم المهم، وبعضهم الآخر لا يشغله إلا علاقة ليست على ما يرام بينه وبين أستاذ المادة، سواء في التعليم العام، أو في التعليم الجامعي. ولأن الفكر والعقل السليمين، لا يعيشان في ظل متناقضين، تخرج المحصلة اضطرابا في الإجابات، والنهاية نتائج غير مرضية، وعلامات غير معلومة، ومصير إعادة وراء إعادة، وإذا بحثنا عن السبب في الأفواه نجد الإجابة من البوابة نفسها: «الأستاذ يستقصدني، وعلاقتي به ليست على ما يرام». ترى لماذا يضع بعض الأساتذة الطلاب في عقولهم؟ أو حتى تحت أضراسهم، وترى لماذا يتوهم كثير من الطلاب أن أساتذتهم، خاصة في الجامعة، يمكن أن يتخلوا عن الضمير لصالح الأهواء الشخصية في المهنة التربوية.. وترى لماذا تتأرجح العلاقة بين الأساتذة والطلاب؟ ومن وراء هذا التأرجح؟ ومن المستفيد؟ علاقة مادية في الأول من مارس الماضي، استيقظ الوسط التربوي على علاقة غير نظامية، بطلها الأستاذ المشارك في كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، الذي ربط علاقته بطلابه، بعلاقة مادية، سواء في مرحلته الأخيرة في الجامعة، أو في مرحلته الأولى عندما ضبط ورحل في قضية رشوة إبان عمله قبل ثمانية أعوام في قسم السياحة والفندقة في الكلية التقنية في المدينة. صحيح أن الأستاذ الجامعي حالة فردية، ونال عقابه بإبعاده عن الوسط التربوي، لكن الأصح أن هناك نمطا لعلاقة مهزوزة برزت بين بعض الأساتذة وبعض الطلاب، حيث لم ينته الحدث بسجن الأستاذ، ومنعه من القاعات الدراسية، لكنه بدأ بتداول جملة «علاقة غير مفهومة» مع أستاذ المادة، في ظل عدم الحصول على مستندات ترجح كفة الرشوة، وتحسم العلاقة الغامضة، لتبقى الفجوة قائمة بسبب أو من دون سبب. علاقة غامضة ريم السعدي، طالبة جامعية، ترى أن تلك الحادثة أثرت في معنويات كثير من الطلاب: «نعرف أن حالة الأستاذ المرتشي حالة قد لا تتكرر في الوسط الجامعي، لكن غموض العلاقة مع الأستاذ الجامعي، يقود بعض الطلاب إلى حالة سوء ظن، خوفا من أن يكون أستاذه الغامض نموذجا ثانيا لمثل ذاك الأستاذ المرتشي، وللأسف لا نجد ما يبدد تلك المخاوف، وإن كان الواقع كفيلا بتبديدها، لكن الظن يملأ الرؤوس، خاصة إذا ما نال الطالب درجات متدنية بلا ذنب، أو مبرر واضح». علاقة سمعية محمد التريكي، طالب جامعي، يعترف بأن علاقته بأساتذته بناها على أساس الاستماع: «عدم معرفتنا بالأساتذة، جعلنا نستسلم للأمور السماعية، فكثير منا يبني علاقته وأفكاره عن أمور سمعها من الدفعات السابقة بخصوص الأساتذة، ومما يزيد هذا التوتر عدم إعطاء الفرصة لكلا الطرفين من تكوين علاقة بينهما، حيث إن الموضوع يقتصر على محاضرة مدتها 50 دقيقة في جو دراسي بحت، وداخل أجواء الجامعة وأنظمتها». لكنه يرى أن المعرفة غير الصحيحة أو تدهور العلاقة، حتما يؤثران في الأداء الأكاديمي للطلاب: « يكون عادة بمثابة التحدي لهم، أو يشكل مصدرا للإحباط والقلق، حيث من أبرز المشكلات التي تترتب على سوء العلاقة بين الطرفين تأثيرها في التحصيل الأكاديمي، بالإضافة إلى التأثير الاجتماعي، بحيث تحد من انطلاق الطلاب، خصوصا أننا نتوقع الكثير من الحياة الجامعية، ولكي يتم علاج هذا التوتر، فلا بد من تصحيح بعض المفاهيم، فالحياة الجامعية لا تقتصر على معلومات أكثر وأعمق عن المراحل الأخرى، إنما هي عالم آخر متكامل وواسع من حيث الأفكار والحرية والحقوق وتنمية الشخصية لتطوير المجتمع، فيجب ألا نجعلها في قفص المحاضرات فقط». المصير المعلق وتعزو منى الحمد، طالبة جامعية، توتر العلاقة بين الطالب الجامعي وأستاذه، إلى شعور الطالب بأن مصيره الأكاديمي معلق ورهن أمر هذا الأستاذ: «قوانين الجامعة التي تعد قوانين مخفية تساعد على ذلك، حيث لا يوجد مرجع ولا مدونة عامة تجعل الطالب مدركا لحقوقه أو واجباته، بل تلك الحقوق والواجبات مختلفة باختلاف الظروف والأشخاص ومكانتهم الاجتماعية، أو حتى نفوذهم المعرفية، وقد يكون السبب ما يحيطنا به المجتمع على أن كل من يخالف الأستاذ في الرأي، هو عدو يجب التخلص منه، متناسين أن الطالب يعيش في صرح جامعة، من المفترض أن تجمع مختلف الطبقات الاجتماعية والآراء المختلفة، ومن حق الطالب تكوين كيانه الخاص. وتعتقد أن هناك خطأ في تقييم العلاقة بين الأستاذ وطالبه: «من السهل إصابة الطالب بالإحباط، خاصة عندما تكون الجهود كلها هباء منثورا، وعندما يقيس الأستاذ باختباراته مدى قدرة الطالب على الحفظ، متناسيا اختبار الجوهر المتمثل في مدى استيعاب الدروس. الدكتاتورية والسلطوية لكن الخبير التربوي الدكتور داخل الحارثي، لا يرى أن العلاقة بين الطالب الجامعي وأستاذه، علاقة توتر على الإطلاق: «التوتر وارد بين قلة من الأساتذة وبعض الطلاب، ونستطيع القول: إن توتر العلاقة محصور جدا، ويعود لعدة أسباب، أبرزها خصائص شخصية لبعض الأساتذة أو بعض الطلاب، ما يعود بسوء فهم لدور كلا الطرفين، فبعض الطلاب يبحثون عن الشهادة بغض النظر عن الكفاية والعلم، لأنهم جاؤوا للبحث عن رخصة عمل فقط، فيما بعض الأساتذة، خاصة حديثي التخرج، يشعرهم الزهو بالفوقية فيتعاملون مع الطالب بنمط مغاير، ما يولد فراغا بينه وبين طلابه، والأكثرية من أساتذة الجامعة، على الرغم من أن لديهم الكفاءة العلمية، إلا أنه ينقصهم أساليب إيصال علمهم وأساليب قياس وتقدير المنتج، لذلك فإن أسلوب المحاضرة فيها نوع من الدكتاتورية والسلطوية البغيضة عند الطلاب الذين يمضون أوقاتهم مستمعين مأمورين». علاقة بعيدة عن الاحترام وأوضح أنه: «عندما يحدث ذلك التوتر في العلاقة، فإنه يقلل من حماس الطرفين، فيقل عطاء الأستاذ، وربما يصاب بالإحباط، فيما يقل اهتمام وتقدير الطالب لما يقدمه أستاذه، ومن ثم الإهمال وعدم الاهتمام، وما دام الأمر في إطار علاقة تتسم بالعطاء والأخذ، وهنا العطاء غير سلس والأخذ ليس عن طيب خاطر، فإننا نتوقع قيام علاقة لا تتسم بالاحترام، كما أن المنتج سيكون ضعيفا، أو رديئا، كما سيكون هناك هدر مالي كنتيجة للرسوب، وهدر زمني كنتيجة لتأخر التخرج لدى بعض الطلاب، وهناك ضياع ووأد لقدرات طلابية لم تجد التقدير، أو ضاعت في خضم فقدان علاقات إيجابية مع الأساتذة». ويدعو إلى إخضاع الحالات المختلفة للمعالجة، على أن تكون معالجات فورية، تتمثل في تهيئة الطلاب للدراسة الجامعية، ووضع ترتيب للانتقال من نظام التعليم العام إلى نظام التعليم الجامعي، وتدريب أساتذة الجامعة على أساليب التدريس الجيدة ومهارات التعامل مع الطلاب «تأهيل تربوي»، وإعادة النظر في البيئة الجامعية التي يغلب عليها الجو الأكاديمي الجاف البعيد عن الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية، وإن وجدت فهي صورية أو محدودة وجانبية هامشية. ليست ظاهرة ورفض الأكاديمي الدكتور عبدالرحمن العنقري، اعتبار التوتر في العلاقة ظاهرة: «هناك حالات من وجود العلاقة المتوترة بين الطالب الجامعي وأستاذه، لا يمكن إغفالها، لكنها ليست ظاهرة». وفند الأسباب التي تؤدي إلى ظهور مثل هذه الحالات، إلى ثلاثة أنواع: «بعضها مرتبط بالطالب، وبعضها الآخر له علاقة بالأستاذ الجامعي، فيما يلعب النظام الجامعي دورا في ذلك»، موضحا أن الأسباب المتعلقة بالطالب الجامعي تتمثل في: «يقبل الطالب على الحياة الجامعية من دون دراية بنمط الدراسة في الجامعة، فتجده يجهل كثيرا من مهام الوسائل التي وضعت له، مثل المرشد الأكاديمي والساعات المكتبية وآلية القبول والتسجيل، وغير ذلك من الوسائل التي وضعت لتيسر انتقال الطالب إلى الحياة الجامعية، والأهم أن نسبة من الطلاب يفتقدون أساليب الاتصال مع الأستاذ، ما يجعل الطالب يفضل تجنب العلاقة كلما أمكن». ويرى أن هناك قصورا في آلية التسجيل: «أحيانا تغلق الشعب مبكرا بسبب قلتها، وزيادة عدد المقبولين، فلا يجد الطالب عددا كافيا من الوحدات الدراسية، ما يجعله يتأخر في التخرج في الفترة الزمنية المعدة لذلك، وتكدس الطلاب في بعض الشعب بأعداد كبيرة، ما يسبب ضغطا نفسيا على الطالب». فيما تتمثل الأسباب المرتبطة بالأستاذ الجامعي بانتهاج سلوك غير حضاري من القلة: «على سبيل المثال لا يعطون الطالب الجامعي حقه في توضيح الخطة الدراسية، ولا الإعداد للمحاضرات، ولا يستقبل الطلاب في الساعات المكتبية لتوضيح ما أشكل عليهم، ويتعاملون مع الطلاب بتعال». العلاج الشامل ويعتقد العنقري أن العلاج بدأته بعض الجامعات من ناحية تحديث النظام واستحداث السنة التحضيرية التي تحتوي مناهجها مقررا في أساليب الاتصال وفي ظل الدعم الكبير في ميزانيات الجامعات الذي سيترتب عليه إنشاء مدن جامعية متكاملة وزيادة أعداد أعضاء هيئة التدريس، ما يساعد في زيادة أعداد الشعب، وبالتالي فك الاختناقات، ومن الضروري تفعيل دور الإرشاد الأكاديمي في الجامعات، أما فيما يتعلق بالأستاذ الجامعي فيجب التعامل مع المستهتر بحزم لأن من أمن العقوبة أساء الأدب. اغتيال فكر الطالب ويربط الأستاذ بجامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتور سعد بن عبدالرحمن الناجم، أسباب توتر العلاقة بين الطالب الجامعي وأستاذه: «إذا لم يفهم الأستاذ دوره الحقيقي، وكذلك إذا وجد الطالب أن الجامعة لا تختلف عن الثانوية، وذلك من خلال ما يشاهد من اختبارات ولجان وروتين ممل، وإذا كان هناك غموض عند الطالب فيما يخص ما يراد منه من واجبات، أو ما يطرحه عليه من فكر، كما أنه إذا كان الأستاذ الجامعي أقل فكرا من طالبه، ويكابر بفهم كل شيء، ويقتل فكر الطالب، لأنه طالب وهو أستاذ، إذا عامل الأستاذ الطلاب من دون مراعاة لفروقهم الفردية، وكانت اختباراته وواجباته وتكليفاته موحدة وغير مراعية لأصول التقويم السليم». وشدد على تأثر الأداء الأكاديمي للطالب والأستاذ: «إذا فقد كل منهما الأمان في القاعة الدراسية، وساد الخوف وصودرت حرية الفكر من الطرفين، فكما يكون هناك أساتذة متسلطون، هناك طلاب ناقلون بسوء فهم لما يقال، ما يجعل الأستاذ لا يشعر بحرية فكره ولا أمانة علمه، وكذلك الحال للطالب عندما يكون الأستاذ نصيا وغير مثقف في تخصصه وما يدور في فلكه من معلومات بشكل رأسي أو أفقي، فإن أي إبداع للطالب لن يلقى استجابة من الأستاذ ويضيع جهده ويتأثر مستواه الأكاديمي»