تحولت الغرف المغلقة في بعض المنازل الثرية إلى أشبه بالمتاحف المتنقلة، حيث لا مجال إلا للثمين الغالي أو لعله النفيس. ففي الداخل تنعكس الموضة على تقاسيم الفاتنات، اللاتي لسن سوى حيوانات، يدخلن لغرف النواعم بخصلات شعر مبعثرة، ليخرجن لوحة فنية تفرض نفسها على الأخريات ممن رزقن أو لعلهن تعلقن بحب الحيوانات الأليفة. بالأمس كان الغرب وحده يعيش هاجس الرفق بالحيوان، لكن اليوم امتدت أيادي بعض أبناء المجتمع السعودي للأخذ بيد الرفق بواقع عربي مغاير. في إحدى الزوايا تعيش دلال التي وجدت نفسها سيدة البيت، فما أن تدلف إلى حجرة الطعام حتى تتوقف القلوب: «إنها جائعة، لماذا أخرتم إفطارها»، تلك كانت الصرخة المدوية من فتاة تتجاوز العشرين من عمرها، فيضج المكان، وتعلن حالة الطوارئ، إيذانا بإسكات جوع دلال أولا، ثم عقاب المتهاونين بالأرواح ثانيا. ويأتي الحساب، كلمات نابعة ممن ملكت دلال قلبها، تتجاوز حدود المألوف إلى الإحساس بالانتقام، لتمتد إلى حد النابية: «ليس لكم قلوب رحيمة، أو تريدون أن تصيبوها بالمرض». وتدور الأعين بحثا عن حديث مماثل، فيجدونه هناك في منزل مها التي تمتلك سبع قطط من النوع الذي لا تستطيع الاقتراب منه، لا خوفا من شراسة الأظافر، ولكن رهبة من بعثرة خصلاتها: «أليفتي الأولى أدخلتني في عذاب الضمير، لذا قررت تعويض الأخريات عن فاجعتها». ابتعد أيها الشرس لكن مها تعترف أن حياتها تعلقت بتوائم روحها: «لا أستطيع مفارقتهن، ولا الابتعاد عنهن، لأنهن كل حياتي، ولا أتحمل مرض إحداهن، وفي إحدى المرات عالجت إحداهن بكل مصروفي اليومي 2500 ريال، بعدما انتابها عارض صحي اضطرني لاصطحابها للطبيب البيطري، وعلى الرغم من دعوتي لتجنب الإفراط في مداعبتهن بعد إصابتي بالحساسية، إلا أنه القلب الذي يعشق كل جميل». لم يكتمل حديث مها، ففي منزل آخر كان صغير بدأ يداعب بشراسة البراءة إحدى رفيقات شقيقته اللاتي سارعن للاحتماء بها، بما يشبه رغبتهن في التخلص منه ليأتي الحسم والردع: «ابتعد أيها الشرس، أزعجت سوسو وإخوتها»، هكذا جاء التصرف من رقة النواعم، وحامية عرين الحيوانات الأليفة من عبث ابن آدم. فأر نانسي خطف الأجواء ولم تكن مها أو صاحبة دلال الأليفة، وحدهما اللتين تعلق قلبيهما بالحيوانات الأليفة، حيث تعدى الأمر حواجز المدن الكبرى إلى تلك البعيدة، وأحيانا لبعض القرى، واختلف التأثير من قط إلى فأر حسب قول أحد باعة الحيوانات: «فأر نانسي خطف الأضواء، فالإقبال يتزايد حاليا على فأر الهمستر، ويبدو أن السبب كليب نانسي عجرم»، مشيرا إلى توفر أنواع سورية وأوروبية وصينية، فيما بين تراجع الإقبال على الأرانب عما كان سابقا: «حتى الزواحف خاصة السلاحف بات الطلب عليها نادرا، إلا من طلاب الجامعات». أين كاكو؟ متسوق عمره 25 عاما، يشير إلى تحول محال بيع الحيوانات إلى أشبه بالفنادق، ويبادر بسؤال البائع: «أين كاكو؟ »، في إشارة إلى قط وضعه في ذلك المحل، لرعايته خلال سفره الخارجي، وعندما رجع عاد لاستلامه، جازما بأن الاهتمام في مثل هذه المحال يضاهي الفنادق: «أثناء سفريات سابقة، كنت أتركه عند الجيران، لكنهم لا يهتمون به كما ينبغي، والآن تتوافر هذه (الفنادق) »، مؤكدا دفع ألف ريال مصاريف للإقامة والإعاشة للقط. لكنه سحب حماس ألفاظه بهدوء حينما رأى نظرة الدهشة في أعيننا: «لولا ابنتي الصغيرة، لما رأيتموني هنا، فحبها للقط دفعني للاهتمام بنظافته والاعتناء به، رغم إصابة ابنتي بالحساسية بسببه». موضة.. وتقليعة عمر الجدعاني بدا هو الآخر منشغلا بأمر الحيوانات، إلا أن اقتناءه لها يأتي من باب الالتزام بالموضة والتقليعات الشبابية الحديثة. فيما ركز جمعان الغامدي، على هواية اصطياد القطط من أودية الطائف والباحة، بغرض التجارة: «أحتجزها لمدة تصل إلى عشرة أيام، حتى تألف علي والبيئة المنزلية، وبعد الاعتناء بها وتنظيفها وجعلها تتزاوج، أبدأ في بيعها، حيث تتراوح أسعار بعض أنواعها من 1500 إلى ثلاثة آلاف ريال، والنوع الشيرازي من 2500 إلى خمسة آلاف ريال، وهملايا من ثلاثة إلى سبعة آلاف ريال، وهناك أنواع نادرة يصل سعرها إلى أكثر من 30 ألف ريال». ببغاوات الرياض أغلى من جدة في الاتجاه الآخر انشغل أحمد المالكي بالطيور، التي يقطع لها الأميال، مما يستدعي سفره في أحيان كثيرة لأكثر من ألف كيلومتر بهدف شراء ببغاء: «ببغاوات الرياض أغلى من جدة، وأسعار الشرقية تتجاوزهما معا، وهناك أنواع مختلفة، مثل: أمازون بلو فرونتد، الذي يتراوح سعره بين ثلاثة وأربعة آلاف ريال، وإذا كان الببغاء متحدثا أو كبيرا في السن أو أجنبيا مستوردا وغير مروَّض وأليف، فإن سعره يتراوح بين 4500 وثمانية آلاف ريال» .