إذا كان آفة الأخبار رواتها، فإن آفة المقالات قراؤها؛ فبعد انطلاق الإعلام التفاعلي الذي أتاح نشر المقالات والتعقيب عليها، أصبح الكاتب في الصحيفة يعرف أين تذهب أسهم كلماته التي كانت تنطلق خبط عشواء قبل عصر الإنترنت. منذ سنوات وأنا أتابع وأرصد تفاعل القراء مع المقالات وكتابها؛ فوجدت أغلبها تنحى بعيدا عما يريد الكاتب قوله، أو يذهب القراء في الردود على بعضهم في موضوع جديد أقحمه أحد القراء ليفقد المقال قيمته التفاعلية الحقيقية التي يستحقها. ولا شك أن وسائل الإعلام الجديدة فتحت آفاقا أوسع أمام الكاتب الذي أضحى قادرا على اختبار قدرة كلماته على الوصول إلى القارئ، لكن هذه الخدمات أثرت سلبا على بعض الكتاب الصحفيين الذين اتجهوا إلى اختيار الأسقف اللغوية الدنيا للحصول على عدد أكبر من القراء الذين يفهمون ما يعنيه الكاتب دون فهم العكس؛ فدخلت لدينا كتابة صحفية تشبه كتابات الإنترنت غير الملتزمة بقواعد اللغة وبحس خال من المسؤولية. وهذه الحالة تتلبس أرواحنا منذ عشرات السنين، حين كان هناك قصيدة أو مقالة تنافس نظيراتها في طرح ثقافي رصين، وبنفس الوقت هناك قصيدة أو مقالة تنافس نظيراتها في طرح سطحي لجمع أكبر كمية من المصفقين البسطاء. اعتدت أن أدون منذ سنوات بعض ردود زوار مواقع الصحف السعودية والعربية بشكل عام، فوجدتُ أغلب من يردّ يفتقد احترام ذاته قبل الكاتب، فهو إما متقيح بردود ليست مهذبة، أو بتعقيبات تنجم عن فهمه الخاطئ، أو تلك الردود – وهي الأكثر انتشارا- التي تنطلق من أيديولوجيا معينة لتضرب على وتر شخصي لا علاقة له بصلب المقال. اقتطعوا من وقتكم دقائق معدودة ودققوا في ردود القراء لتكتشفوا أننا أمة ستظل طويلا تعاني من آفة جديدة بدأت تظهر على السطح وهي آفة قراء المقال الذين يقرؤونه مقلوبا.