أفشل العديد من أولياء الأمور روح الإنسانية التي جسدها تدافع الأبناء في التبرع بالأعضاء بعد وفاتهم، ليصل الأمر إلى التراجع عن تواقيع سجلها الصغار بمحض إرادتهم، ولقناعتهم بأهمية العمل الإنساني من ناحية، وتعزيزا للمبدأ الشرعي في إنقاذ الآخرين. وكشفت حملة“امنح حياة 2” التي أطلقها طلاب وطالبات الطب المنضمين للجمعية الوطنية لطلاب الطب، في مجمع الراشد بالخبر أمس الأول، أن المبادرة من الصغار بالتبرع فاقت رغبة الكبار في التبرع، فيما كان الرفض القاطع من أولياء الأمور يعقب كل حالة موافقة من الطلاب أو الطالبات، إلى الدرجة التي بادر فيها 1600 ولي أمر بإعلان رفضهم القاطع لتوقيعات حصلت عليها الحملة من الطلاب والطالبات في المدارس. وفيما نجحت حملة العام الماضي بجمع عدد من المتبرعين يصل إلى 1400 متبرع ومتبرعة، وزيادة عدد أصدقاء الحملة إلى ثلاثة آلاف شخص، ركزت حملة هذا العام على التوعية باعتبارها المخرج من الأزمة الحالية، على أمل إنقاذ الأهل من تهمة عدم الإنسانية التي يحاولون غرسها في الأبناء، والرغبة في حث الكبار على المبادرة في التبرع، فيما الهدف الثالث يركز على تقليص النسبة بين المحتاجين والمتبرعين، في إطار تكريس الهدف الأسمى لإنقاذ حياة الكثير ممن يعانون الفشل العضوي. لكن يقف ضيق الوقت وقلة الدعم المادي أيضا حجر عثرة أمام نجاح القائمين على الحملة في الوصول إلى الأهداف المرجوة، برفع الوعي تجاه القضايا التي تلامس هموم ومشكلات شرائح متنوعة في المجتمع. تراجع الكبار تعترف متعبة العيسي طالبة الطب والمنظمة للحملة في المنطقة الشرقية بتدني نسبة المتبرعين بأعضائهم من الفئات العمرية الكبيرة عكس فئة الشباب، بيد أن توقيع هؤلاء على بطاقة التبرع بالأعضاء ليست خيارا نهائيا؛ إذ إن تحديد هذا الأمر والموافقة النهائية تعود لولي الأمر، الذي يرفض في أغلب الأحيان. وأشارت إلى أن الحملة بنسختها الأولى استطاعت زيارة 19 مدرسة بالمنطقة الشرقية ولمست تجاوبا كبيرا من الطالبات على التبرع، حيث وقعت 600 طالبة، إلا أن أهاليهن عاودوا الاتصال على أعضاء الحملة وطلبوا إلغاء التواقيع”، وقالت“أصبحنا ندخل المدارس للتوعية فقط دون أخذ التوقيع على البطاقة ونطلب من الطالبات إقناع أهاليهم بفكرة التبرع قبل التوقيع، حيث إن قرار ولي الأمر قد يتأثر بالآخرين، ولابد من تقبل العائلة لرغبة الأبناء، لأنه في النهاية عمل إنساني لإنقاذ الآخرين”. منع وضرب وتشير إلى أن هيئة الإقناع التابعة للمركز السعودي للتبرع بالأعضاء تعاني كثيرا من عدم تقبل الأهل لرغبة أبنائهم في التبرع، ويلاقون كثيرا من الصعوبات في سبيل الحصول على الموافقة، بل إن بعض أهالي المتوفى الموافق على التبرع قبل مماته، يواجهون الأعضاء بشكل عنيف يصل إلى الضرب في بعض الأحيان. جهل وتخوف وأكدت أن 45 في المئة من حالات الوفاة الدماغية هي التي يتم التبليغ عنها، فيما لا تتعدى نسبة الموافقة 18 في المئة من الحالات، معتبرة أن قلة الوعي بمفهوم الوفاة الدماغية وراء عدم تقبل الأهل لفكرة التبرع،“فهم لا يعلمون أن التبرع لا يكون إلا في هذه الحالة، وأن المتوفى دماغيا من المستحيل عودته للحياة مجددا، بل يعد حسب بعض المشايخ موتا شرعيا وإكلينيكيا، كما أن فكرة التبرع بالأعضاء تعد جديدة على المجتمع السعودي، وهناك مرضى في المستشفى لا يعرفون أن هناك تبرعا بالأعضاء في داخل البلاد”. الفشل العضوي وحددت أبرز أنواع الفشل العضوي في السعودي يتمثل في الفشل الكلوي، يليه الفشل الكبدي، ثم الفشل القلبي، وقالت“اختلاطنا بمرضى الفشل العضوي وملامستنا لواقع معاناتهم الدافع لقيام هذه الحملة، ويزيدنا تمسكا باستمراريتها حتى نرى نتائجها بتغيير نظرة المجتمع لمفهوم التبرع بالأعضاء وتقبلهم له، حيث إن محتوى الرسالة يتلخص في توضيح النظره الشرعية للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة الدماغية ومفهومها العلمي وإيضاح مدى الحاجة الإنسانية لذلك”. وأشارت إلى أن حملة هذا العام بدأت مرحلتها الثانية والتي نظمتها الدكتورة ليلى بو بشيت المسؤولة الوطنية للحملة، وتستهدف تغطية أغلب مدن السعودية، خاصة الشرقية، الرياض، الطائف، مكة، المدينة، جازان، أبها، تبوك، جدة، وتتضمن القيام بزيارات سنوية للمدارس والجامعات ومراكز محو الأمية، والتواجد في الأماكن العامة خاصة المجمعات،“على أمل وصول صوت المعاناة، لعله يجد من يجيب ويتسبب في منح الحياة للآخرين، بإذن الله”. نسب خجولة وفيما رافقت حملة “امنح حياة 2”، حملة أخرى بعنوان “شارك حياتك” التي تعمل تحت مظلة برنامج زراعة الأعضاء التابع لمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام لإيصال ذات الرسالة النبيلة، انتقد الدكتور رشيد الحبيل رئيس قسم العناية المركزة ورئيس الفريق المتنقل للتبرع بالأعضاء في المستشفى، ما اعتبره النسب الخجولة للمتبرعين بأعضائهم في السعودية بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، حيث لم يتجاوز إجمالي المتبرعين 1600 شخص خلال 20 عاما، حتى أن قائمة الانتظار في السعودية العام الماضي 2009 وصلت إلى عشرة آلاف مريض يحتاج إلى متبرع بالكلية أو الكبد، فيما سجلت المنطقة الشرقية ألفي شخص محتاج إلى زراعة كلية، و400 محتاج إلى زراعة كبد، لافتا النظر إلى أن قائمة الانتظار تزداد بشكل مطرد في السعودية بواقع ألفي شخص سنويا إلى القائمة، فيما لا تزال أعداد المتبرعين قليلة جدا، ولا توجد نسبة أو تناسب بين أعدادهم وحالات الاحتياج. جهل بالوفاة الدماغية ويرجع الدكتور رشيد تضاءل نسب المتبرعين في السعودية إلى عدم المعرفة بماهية الوفاة الدماغية، والتي من أهم أسباب حدوثها حوادث السيارات ثم الجلطات باختلافها أو الجلطة النسبية، مبينا أن الكثيرين لا يعرفون أنها وفاة شرعية إلى جانب عدم تقبل الأهل بفكرة التبرع بالأعضاء، على الرغم من أن عدد المتوفين دماغيا في السعودية يصل قرابة 500 حالة سنويا فيما سجلت الشرقية وحدها العام الماضي 100 حالة وفاة دماغية من الحالات المبلغ عنها، فيما تقبع أكثر من 50 حالة غير مبلغ عنها حبيسة الكتمان، مشيرا إلى نجاح فريق المستشفى بإقناع 12 حالة فقط من جملة 100 حالة كانت لمتبرعين غير سعوديين. وبين أن الفكرة الأساسية لحملة “شارك حياتك” توعية المجتمع بماهية الوفاة الدماغية وشرح آلية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة الدماغية، والحكم الشرعي فيها والحث على توقيع بطاقات التبرع بعد الوفاة.