في محاولة لإحياء التراث الصحافي السعودي، أعاد الناشر السعودي عبدالرحيم الأحمدي، مالك ومدير دار المفردات للنشر، طباعة ونشر مجلدات مجلة (الإشعاع) التي كان الأديب المعروف سعد البواردي بدأ نشرها قبل 40 عاما لتكون (امتدادا لذلك الفجر الغارب) حسبما أعلن في وقتها. واعتزازا منه بقيمة المجلة التي كانت ضمن قراءاته الأولى في المرحلة الابتدائية، قرر الأحمدي أن يمنح هذا الجيل السعودي فرصة الاطلاع على تلك المطبوعة التي كانت “نقلة جديدة في الصحافة السعودية، حيث أثارت مجموعة من القضايا الحيوية في ذلك الوقت، مثل تعليم المرأة ومحو الأمية، والوحدة الوطنية والاستقلال ودعم النضال العربي، وإنشاء الجامعات، فكانت نجمة عصرها بحق”. ولا يخفي الأحمدي حقيقة أن الفكرة راودته مصادفة: “حصلت على بعض الأعداد القديمة من مكتبة الملك فهد الوطنية وجامعة الملك سعود وحاولتُ ترميم التالف منها، ورأيت أن أنقذها من الاندثار عبر إصدارها بحلة جديدة تليق بمكانتها”. ومن السهل على جليس الأحمدي أن يستشعر الزهو الذي يطغى على ملامحه حين يستذكر القصيدة التي نشرها في الأعداد الأولى من المجلة، وسيرته الذاتية التي تضمنتها أعداد أخرى، لكن الأحمدي لا يرجح الدافع الشخصي وراء هذه الخطوة: “هدفنا من العمل الذي قمنا به توثيقي، فالمجلة تمثل مرحلة من مراحل الحركة الثقافية والإعلامية ونقلة نوعية عما كانت عليه مجلات أخرى كالمنهل واليمامة والقافلة، حيثُ عالجت المجلة في أعدادها قضايا اجتماعية وسياسية ونقدية، وتبنت جيلا كبيرا من الشباب الواعد في مرحلة شهدت تطورات كبيرة في البلاد العربية التي تحررت من ظلم الاستعمار وبدأت في بناء أوطانها الناشئة”. ويشير الأحمدي بشيء من الأسى إلى أنه لم يحتفظ في مراهقته بعدد كاف من النسخ: “فقد شغلتني ظروف سفري وابتعاثي خارج السعودية، لكنني عزمت على طباعة أعداد وافرة من المجلة عرضتُ بعضها في معرضِ الكتاب الأخير بالرياض”. والمجلة نفسها التي أسسها البواردي انتصارا لطموحاته الفكرية والأدبية وسعيا لتأسيس وعي مجتمعي وثقافي واسع، هي أول مجلة ثقافية تصدر بالمنطقة الشرقية, إذ صدر العدد الأول منها في 40 صفحة وكانت تصل إلى المناطق النائية من السعودية وتُباع بريالِ أو اثنين في بعض الأحيان. ويؤكد الأحمدي أن إشعاع (الإشعاع) لم يخبُ رغم العقود الأربعة التي مضت منذ توقفها عن الصدور، فهي المنبر الذي احتضن الأسماء اللامعة من مثقفي السعودية ومنهم إبراهيم العواجي وعبدالله شباط وصالح العثيمين وإبراهيم الناصر ومحمد حسن عواد وغيرهم ممن لا يخبو وهجهم مهما انقضت سنوات الغياب.