تبذل السعودية جهودا حثيثة ومدروسة لبناء اقتصاد المعرفة الذي تفرضه عليها جملة من العوامل في طليعتها المكانة الاقتصادية التي تحتلها على المستوى الإقليمي والقاري والدولي وضرورة النمو الداخلي، ويحتل إصلاح التعليم حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية، وذلك من خلال إصلاح المناهج ومواءمتها مع متطلبات التنمية والاهتمام بالتعليم التقني والتدريب المهني، الذي توج بإطلاق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وكذلك برنامج الابتعاث الطموح لكثير من الشباب السعودي إلى معظم بلدان العالم ذات العراقة في التعليم في مختلف المستويات، وقد تصل السعودية حسب رأي كثير من الخبراء في العام 2015 إلى مستوى متقدم من اقتصاد المعرفة، وذلك من خلال ظهور أول ثمار برامج الابتعاث واستراتيجيات إصلاح التعليم. وفي هذا التقرير نحاول تسليط الضوء على اقتصاد المعرفة، وما هي مجالاته وآفاقة، ولماذا يتحتم على بلد مثل السعودية الأخذ به؟ يتجه العالم نحو اقتصاد المعرفة الذي تزداد فيه نسبة القيمة المضافة المعرفية بشكل كبير، والذي أصبحت فيه السلع المعرفية أو سلع المعلومات من السلع الهامة جدا، وتساعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نمو اقتصاد المعرفة، وتأخذ مسألة التعريب بعدا أكبر من السابق، إذ أصبحت مرتبطة بالاقتصاد والتنمية أكثر من أي وقت مضى، والتعريب في تكنولوجيا المعلومات يقدم فرصا اقتصادية هامة للوطن العربي، كما أن الإخفاق فيه محفوف بالمخاطر الأمنية والثقافية والاقتصادية، إن الإجراءات اللازمة لنجاح عملية التعريب في تكنولوجيا المعلومات في متناول اليد وقابلة للتنفيذ. يتطلب اقتصاد المعرفة جهدا أكبر في مجالات التعليم والتدريب، كما يتطلب نوعا جديدا من التعليم والتدريب. فعدد العاملين في مجال المعلومات يزداد باطراد وهذا يتطلب تكوين العلميين والعاملين في هذا المجال، وفي مجالات تكنولوجيا المعلومات أدنى مما يجب وأقل من الحاجة، فالأمية المعلوماتية أصبحت من الظواهر المعيقة للتقدم. من جهة أخرى فإن تطور المعرفة السريع يتطلب التدريب مدى الحياة، كما يتطلب مستوى علميا وتكنولوجيا للعمالة أعلى من السابق والحاجة لاكتساب ملكة التعليم أصبحت ماسة للعاملين. وستتجه الأجور الأعلى نحو العاملين القادرين على التعامل مع المعلومات المرمزة والمعرفة التكنولوجية أكثر من اتجاهها نحو العمل اليدوي أو الجهد الجسدي، ومن جهة أخرى فإن الحصول على المعرفة أصبح أسهل وأقل تكلفة من السابق بوجود شبكات المعرفة، ولكن هذا يتطلب معرفة اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية كما يتطلب جهودا في التعريب. تدل الدراسات في عدد من الدول على ارتفاع الطلب على اليد العاملة المختصة في التعامل مع المعلومات وتكنولوجيا المعلومات ومع المعرفة بشكل عام، وانخفاض الطلب على العمالة غير المتعلمة وغير عالية الخبرة، وهذا سيؤثر في هيكلة سوق العمل عامة وفي توزيع الأجور. إن هذه الظواهر تستدعي من الحكومات إعادة النظر في سياسة الأجور وسياسة العمالة وسياسة التعليم. والخلاصة أن هناك طلبا عالميا على اليد العاملة المختصة في مجال التعامل مع المعرفة، ومع المعلومات وزيادة في أجور هذه اليد، كما أننا نشهد تطورا سريعا في المعرفة، مما يستدعي زيادة الطلب على اليد العاملة الخبيرة في التكنولوجيا، وأخيرا فإن هيكلة الشركات والمصانع تتغير نحو الأتمتة والمعلوماتية. كما أن تغير الآلات المستعملة لديها وتطورها السريع لتأمين إمكانيات المنافسة يستدعي يدا عاملة قادرة على التعلم باستمرار، ويزيد في معدلات البطالة لدى فئة اليد العاملة اليدوية.