كشفت نتائج دراسة حديثة أن كبر عدد أفراد الأسرة والسكن الضيق، عوامل أساسية للعنف الأسري في السعودية، مشيرة الى أن 39.5 في المئة من جملة أفراد العينة الذين وصل عددهم إلى 2040 كانوا من ضحايا العنف من الجنسين، جميعهم يسكنون في شقة. واعتبرت الدراسة المؤشرات الخاصة بضيق المساحة وزيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة التي تعيش فيها، تعد عوامل أساسية للعنف الأسري بأشكاله كافة. كما أشارت الدراسة إلى ارتفاع نسبة من يقيمون في شقق وفلل، ويشكلون ما نسبته 69 في المئة من أفراد العينة، وهي نسبة مرتفعة، تعني أن هؤلاء الأفراد يقيمون في مساكن حديثة، وأنهم ربما ينتمون إلى ما يمكن أن يُطلق عليه الطبقة الوسطى ذات الدخول المتوسطة والمرتفعة قليلا، التي تعد إحدى سمات المجتمع السعودي. أنماط العنف وأوضحت نتائج الدراسة التي قام بها مركز رؤية للدراسات الاجتماعية، وغطت معظم مناطق السعودية، أن معظم أنماط العنف الأسري الشائعة والمعروفة، كالعنف اللفظي والبدني والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي والجنسي والحرمان والإهمال، تنتشر في المجتمع السعودي، إلا أن بعض تلك الأنماط تعد أكثر شيوعا في المجتمع السعودي، مقارنة بالمجتمعات الأخرى، حيث تصدّر العنف اللفظي المرتبة الأولى كأحد أنواع العنف الأسري، وجاء العنف الاقتصادي بالمرتبة الثانية، وفي المركز الثالث العنف النفسي، يليه العنف الاجتماعي، وفي المركز الخامس الإهمال والحرمان، أما العنف البدني «الجسمي» فقد جاء في المركز السادس، يليه العنف الجنسي، ثم الصحي في المركز الثامن والأخير. الأسباب والآثار وبيّنت الدراسة أن أكثر الأفراد ممارسة للعنف الأسري، كانوا الأزواج، ولفتت إلى أنهم يمارسون العنف ضد زوجاتهم، وذلك من واقع بيانات الدراسة، مع وجود آخرين يمارسون العنف، كالزوجات ضد الأزواج، والأبناء ضد آبائهم وأمهاتهم. وفيما يتعلق بأسباب العنف الأسري بينت الدراسة أنها عوامل دينية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية ووجدانية، وأخيرا عوامل جنسية، وتتباين أهمية هذه العوامل وترتيبها حسب مناطق السعودية، وعلى أساس ريفي وحضري، فالعامل الاجتماعي أحد أسباب العنف الأسري يكون شديد الحضور في المجتمعات الحضرية، مقارنة بالمجتمعات الريفية، مع التذكير بأن العامل الاقتصادي يعد قاسما مشتركا في جميع المناطق، أما الآثار السلبية للعنف الأسري فقد كانت متباينة، لعل أهمها: طلب الزوجة الطلاق، والتسبب في أمراض نفسية، وتأخر الطلاب دراسيا، وتعاطي المخدرات، والانحراف الأخلاقي والسلوكي، وتمرد الأبناء على والديهم، وتغيب الزوج عن المنزل، وحدوث عاهات وإعاقات دائمة، وأحيانا القتل بدافع الانتقام. مراجعة التشريعات وأشارت النتائج بشكل عام إلى انتشار العنف الأسري في المجتمع السعودي، وخاصة العنفين اللفظي والاقتصادي، وأن الإجراءات القائمة للتعامل معها لا تزال قاصرة، ما يعني ضرورة بذل مزيد من الجهد للتخفيف من حدة المشكلة والتعامل معها بكل شفافية. وخرجت الدراسة بجملة من التوصيات، أبرزها أن تتولى وزارة العدل مراجعة التشريعات والنظم الحالية التي تحكم شؤون الأسرة لتوفير الحماية لأفرادها، وتسهيل لجوئهم إلى جهات القضاء عند تعرضهم للعنف، وطالبت بإصدار تشريعات تنص على عقوبات مشددة توقع على من يمارسون العنف على أفراد أسرهم، كما طالبت بإنشاء محاكم متخصصة للأسرة لسرعة البت في قضايا العنف الأسري، وضرورة إلحاق مكتب نسائي في كل محكمة يضم اختصاصيات اجتماعيات ونفسيات للتعامل مع قضايا المرأة. وتوجهت الدراسة بتوصيات لوزارة الداخلية، أهمها أن تقوم الوزارة بتوفير الحماية لضحايا العنف، واستقبالهم في أقسام الشرطة عند طلب المساعدة، ومعاملتهم معاملة طيبة، وضرورة أن تضم أقسام الشرطة عددا من الاختصاصيين الاجتماعيين من الذكور والإناث لاستقبال حالات العنف الأسري، والتعامل معها بأسلوب مهني، علاوة على تدريب كوادر من أفراد الشرطة وإعدادهم للتعامل مع حالات العنف الأسري، وأن يكون هناك تنسيق بين مراكز الشرطة ووزارة الشؤون الاجتماعية. أخطار أشد وفي نطاق اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية أوصت الدراسة بأن تتولى الوزارة دعم المؤسسات الاجتماعية لتفعيل نظام حماية الأسرة، وتوفير الاختصاصيين والاختصاصيات اللازمين لذلك، وإنشاء خط هاتفي ساخن مجاني للمعنفين، واتخاذ ترتيبات لعقد دورات للمقبلين على الزواج لتعريف كل من الرجال والنساء بحقوقهم وواجباتهم، كما أوصت بإنشاء دار مستقلة لإيواء كبار السن والنساء وأطفالهن من ضحايا العنف ريثما يتم البت في المنازعات بينهم وبين من مارسوا العنف عليهم في محيط الأسرة، حيث توضح نتائج البحث أن الزوجات اللواتي يتعرضن للضرب والإيذاء الجسدي، قد ينتهي الأمر بطردهن وأطفالهن، فلا يجدن المأوى، ويواجهن أخطارا أشد من تلك التي يواجهنها في بيوتهن. العنف في المناهج وطالبت الدراسة في توصياتها لوزارة التعليم العالي بتكوين لجنة وطنية عليا تضم خبراء من أساتذة الخدمة الاجتماعية، وعلمي الاجتماع والنفس، وعلماء الشريعة، لدراسة ظاهرة العنف الأسري على المستوى الوطني، ووضع الخطط والسياسات اللازمة للوقاية منه، وإدخال مقررات وبرامج تدريبية لطلاب أقسام الدراسات الاجتماعية وعلم النفس للتعامل مع ضحايا هذه الظاهرة. ومن جهة وزارة التربية والتعليم، أوصت الدراسة بضرورة إدخال المقررات التعليمية التي تشرح معنى العنف وأسبابه والأساليب الاجتماعية للتعامل معه، وتستحدث الأنشطة غير الصفية التي تدرب الشباب على مواجهة أساليب العنف بالمنطق والعقل، وتوجيه الاختصاصيين والمرشدين الاجتماعيين في المدارس بالحرص على التعامل مع حالات العنف الأسري، وتشجيع الطلاب على إخبارهم بأي عنف يتعرضون له، ودعت الدراسة إلى التصدي لثقافة العنف التي تنتشر بين بعض الذكور في المجتمع، وتتجلى في سلوكهم الاجتماعي في محيط الأسرة، وحثهم على المعاملة الطيبة للأولاد وللنساء، حيث تبيّن من نتائج الدراسة انتشار العنف اللفظي بين أفراد المجتمع، واستخدام الأفراد للألفاظ البذيئة في تعاملاتهم. وشددت الدراسة على ضرورة أن يسهم الدعاة وخطباء الجوامع في التوعية بأضرار العنف الأسري ونتائجه، وتتوجه إلى عدة قطاعات حكومية، منها وزارات العدل، والداخلية، والشؤون الاجتماعية، والتعليم العالي، والتربية والتعليم، والإعلام. وتهدف التوصيات إلى معالجة ثلاث قضايا رئيسية، تتمثل في وقاية المجتمع والجماعات والأسرة والأفراد من ظاهرة العنف المتفاقم بوضوح، وتحديد أساليب التعامل معه، ومعالجة آثاره بعد حدوثه.