تنظر المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بقلق بالغ إلى صناديق التقاعد في الشرق الأوسط وغرب إفريقيا التي يزحف مئات الآلاف من العاملين فيها إلى التقاعد بأزمان متقاربة جدا؛ نظرا إلى كون سكان هذه المناطق من الشباب الذين ينتظمون حاليا في قطاعات الأعمال الحكومية أو الخاصة وسيصلون جميعا إلى سن التعاقد بأعداد يخشى من عجز صناديق التقاعد أن تستوعبها. وحذّر الخبراء في العالم الغربي خلال عقود طويلة من أن عدد الذين يوشكون على الوصول إلى سن التقاعد إلى جانب الزيادة في متوسط العمر المتوقع سيشكّل ضغوطا لا يمكن لصناديق التقاعد الحكومية تحمّلها. إن إحدى العواقب التي لا مفر منها من جرّاء الزيادة في نسبة المتقاعدين (ومن ثم دفع المعاشات التقاعدية لهم) هي تناقص نسبة العاملين. نتيجة لذلك، فإن كل شركة في أوروبا وأمريكا توفر نظاما تقاعديا لموظفيها. وتتفاوت نسبة الحدة في المشكلة من بلد إلى آخر؛ ففي المغرب تشير تقارير اقتصادية إلى أن أنظمة التقاعد في المغرب باتت مهددة بالإفلاس والعجز عن مواجهة التزاماتها لملايين المغاربة، وتشير التقديرات إلى أن أنظمة التقاعد المغربية تسير إلى هاوية الإفلاس بسرعة، ويتوقع أن تصل إلى حالة الإفلاس الكاملة مع سنة 2019. على الصعيد الخليجي، حذرت دراسة اكتوارية قام بها المدير الاكتواري بالتأمينات الاجتماعية بالبحرين من أن أربع دول خليجية مهددة بنفاد صناديق التقاعد بها خلال 50 عاما أو أقل، ودعت الدراسة مؤسسات التقاعد والتأمينات إلى اتخاذ خطوات تصحيحية لتدارك وضعها المالي، وتعيد الدراسة أسباب ذلك إلى عدم التوازن المالي بين الاشتراكات المسددة والمزايا المقدمة والتقاعد المبكر والتكاليف الإدارية ومصاريفها العالية في بعض الأنظمة. وبينت الدراسة أنه لفهم المشكلة فقد قدرت “التزامات الخدمة السابقة” أو “الدين الضمني” كما يفضّل البنك الدولي تسميته الخاصة بأنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية في مجلس التعاون الخليجي مع افتراض التمويل الكامل، وقارنا هذه النتيجة بمجموع الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان. إن مجموع الناتج المحلي الإجمالي لبلدان مجلس التعاون الخليجي قدّر ب400 مليار، والالتزامات الاكتوارية للخدمة السابقة لهذه الأنظمة قدرت ب200 مليار؛ حيث تشكل 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن موجودات الأنظمة قيمتها 100 مليار تقريبا؛ لذا فإن العجز يبلغ 100 مليار؛ حيث يشكل 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ لذا يعتبر العجز ملحوظا. وتتجه المعالجات إلى اقتراح حزمة من الإجراءات المتصلة بتصحيح أنظمة التقاعد قد تدخل عليها تغييرات جذرية، منها رفع سن التعاقد، ورفع الشريحة المتحصلة، ورفد الصناديق بنسب من الدعم الحكومي في الدول ذات العوائد المرتفعة مثل دول الخليج، وسداد أي مديونيات أو متأخرات لدى الحكومات في الدول الأخرى التي تحتفظ بمديونيات لصناديق التقاعد بمبالغ كبيرة لمدد تحرم الصناديق من عائدات الاستثمار لهذه المبالغ حتى لو تم سدادها فيما بعد، إلى جانب إعطاء أولوية استثمارية في المشاريع ذات العائد الاقتصادي المرتفع لصناديق التقاعد للاستثمار، مع إحكام الرقابة ووضع حد للعبث الحاصل في أموال هذه الصناديق في بعض البلدان.