عليك أن تتيقن أن العالم تغيّر حين ترى أن جيفارا أصبح يشتري الكوكاكولا من محل إمبريالي قرب بيفرلي هيلز، ويتجول في شوارع لوس أنجليس بحثا عن مُخرج يرشحه لدور مهرج في إعلان تجاري لشامبو ضد القشرة.. جيفارا الذي لم يعد يعنيه من اللون الأحمر سوى أنه اشترى سيارة مازدا حمراء صنعت في معقل الإمبريالية العالمية بعد دخول عصر الشركات متعددة الجنسيات، واستبدل بها دراجته النارية الشهيرة التي ألهمت مخيّلة اليساريين العرب إلى درجة أن بعضهم قد يرى نفسه يردف كارل ماركس في جولة على مزارع القطن في جنوب الموزمبيق!. جيفارا أصبح اليوم مرتدا وفق الأعراف الحمراء التي لم يعد يؤمن بها أصلا سوى كاسترو في منفاه المرضي، وأحد مرتادي النادي الأدبي بالرياض الذي يحلو له أن يتحدث عن الصراع الطبقي حتى عندما تكون المحاضرة عن تطور تقنيات الشعر الشعبي بين عصر الشرهات وعصر الشيكات المحررة بلا رصيد جماليٍّ أو فني!. ولأننا اعتدنا استيراد الشعارات وتوليدها في عيادات بلاغية متخصصة، لن يصدمنا كثيرا أن نعثر على صورة جيفارا مموّهة على قمصان يرتديها أشخاص لا يؤمن بمواهبهم سوى أمهاتهم، يجوبون الشوارع على دراجات نارية استكمالا للصورة الكبرى، حاملين في ألبابهم الخاوية همّ استنهاض الحلم اليساري الأحمر دون أن يعرفوا أصلا ما تعنيه هذه الكلمات، لأن جيفارا ليس إلا موضة يركب موجتَها هؤلاء ببلاهة تجمع في لوحة سريالية واحدة بين برجوازية أبي جهل واشتراكية جيفارا.. تخيّلوا أبا جهل في سيارة فارهة وجيفارا إلى جواره: (ثكلتك أمك يا تشي.. أغلق النافذة حتى لا يدهمنا الغوغاء..!). سليمان منذر الأسعد