الأغنية تعيش تراجعا في بعض البلدان العربية إلى درجة أن كثيرا من الدول تعاني من عدم وجود مواهب غنائية تستطيع المحافظة على (الكيف) الفني لها، ومواصلة المشوار وحمل لواء الأغنية الذي كان يتسيده نجوم المشهد الغنائي العربي أيام الأبيض والأسود، وبعض الدول تراجعت للوراء كثيرا بعد أن كانت في مصاف الدول في تقديم المواهب الغنائية في الساحة الفنية.. نجد على العكس من ذلك الأغنية السعودية التي تعتبر معينا لا ينضب من المواهب الشابة، وتظل الأغنية الوحيدة الولاّدة بالأسماء في التلحين والغناء والكلمات، والأغنية الوحيدة التي تجري في عروقها دماء المنافسة بين أجيال النجوم بداية من جيل محمد عبده إلى جيل نايف البدر، وذلك ما دفع فنان العرب للخروج في أحد حواراته التلفزيونية وأطلق تصريحه حينما وصف نفسه فيه بأنه منافس لجميع الفنانين المحليين كبارا وصغارا، وهذا ذكاء من الفنان الذي يقف على رأس الهرم، وهذه المكانة تعد من مكتسبات الأغنية السعودية التي أثبتت مع مرور الأيام أنها أغنية (لا تشيخ)، ولا تترهل، ولا تتوقف على فنان أو اثنين أو ثلاثة، كل ذلك على الرغم من عدم وجود معاهد لتعليم الموسيقى للفنان السعودي الشاب، والتحفظ الذي يمارسه المجتمع على الفنان، إضافة إلى عدم وجود برامج سعودية فضائية تهتم بالفنانين الشباب، وعلى الرغم من ذلك إلا أن العجلة تسير، وفي الوسط الفني السعودي يدرك الفنان أن أي مرحلة تراجع يعيشها تعني في الأصل أن هناك فنانا سحب البساط منه، (نحن لا نتكلم عن المكانة؛ فالمكانة يحفظها التاريخ)، ولكن عن الحضور الفني الذي يخضع لحسابات كثيرة منها التطور الموسيقي والثقافة الفنية، ومعرفة رغبات المتلقي، والفنان الذي لا يواكب الشروط، سيتفاجأ أن البساط سحب من تحت قدميه، وخرج من محيط اللعبة، وجيل راشد الفارس وعباس إبراهيم وتركي قادم لتجديد لعبة المراكز في الأغنية السعودية. وهذا ما يميز الأغنية السعودية ليس على نطاق الفنانين فحسب، بل هذا ينطبق على الشعراء والملحنين، الذين يسهمون في تجهيز الفنان وتقديمه إلى شركة الإنتاج التي يقتصر دورها على الترويج له عبر فضائياتها وتوزيع ألبوماته، وأصبح بروز موهبة سعودية شابة يعني منافسة شديدة من الشعراء والملحنين على حجز مساحة في صوت هذا الفنان، وهذا الحراك الفني بهذه الطريقة شبه معدوم في جميع الدول العربية التي تحاول بين الفينة والأخرى محاولة تهميش أو تجاهل الفنان السعودي سواء من خلال الإعلام أو الجوائز أو المهرجانات، إلا أن بحث الفنانين العرب عن الأغنية السعودية هو خير من يرد عليهم، وقد يكون العام 2009 هو عام (سعودة) و(خلجنة) الأغنية العربية، ذلك هو كم الألبومات والأغاني التي أطلقها الفنانون العرب بألوان غنائية خليجية كان النصيب الأعظم فيها للسعوديين. الحلقة الأهم في كل هذا هو الجمهور السعودي الذي يملك أذنا فنية ونقدية على مستوى عال من الحساسية، يجعل من الفنانين العيش في بحث ومحاولة لإرضاء هذا الجمهور، فلم يعد يبحث في الألبوم عن اسم الشاعر والملحن فحسب، بل حتى التوزيع الموسيقي دخل حيز اهتمامه.