شن الدكتور محمد السعيدي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، هجوما لاذعا على الليبرالية في السعودية، وسمّاهم بالأهوائيين (أي يتبعون أهواءهم)، واعتبر الدكتور السعيدي أن حضورهم هنا وهناك يعد ظاهرة لا تعبر عن أغلبية المجتمع، وتحدث السعيدي عن حركة الإخوان المسلمين، مؤكدا أن الحركة كانت في بداية نشأتها تقدم دورا إيجابيا وبارزا، لكن السياسة شطحت بهم كثيرا.. السعيدي خلال اللقاء أبدى استعداده للحوار مع الآخر أيا كان، وتحدث السعيدي عن اعتلاء الإسلاميين للمنابر، ومشددا في الوقت نفسه على أن هذا حق لهم، ولا يمكن أن ينتزع بأي شكل.. نترككم مع ما جاء في حوار الدكتور.. عند حوار الأفكار ما الذهنية التي يجب أن يكون عليها المتحاورون؟ أعتقد أن إجابة هذا السؤال لا يختلف عليها اثنان مهما كانت توجهاتهم الفكرية، فالكل يقول في جوابه ينبغي الدخول في الحوار بذهنية المتجرد للحق البعيد عن الهوى الراغب في إصلاح نفسه أولا، ثم إصلاح الآخرين، كما لا ينبغي الدخول في الحوار لا سيما الحوار العام قبل أن يمتلئ المحاور من العلم النظري بالجزئية التي يريد التحاور فيها، لأن الحوار الحقيقي الموصل إلى نتائج مثمرة لا يمكن أن يكون دون تأصيل علمي هكذا يقول الجميع، ولا أعتقد أن هذا مما يختلف الناس فيه. إذًا ما الجزء المختلف فيه؟ في جواب هذا السؤال لا أعتقد أن هناك درءا مختلفا فيه، لكن هناك خللا في الحوار ليس مرده الاختلاف فيما ينبغي لكن مرده هو أن ما ينبغي هو ما يغيب في الواقع. فسّر لنا ذلك؟ ما ينبغي ليس هو الواقع للأسف، وذلك أن بعض أطراف الحوار تسير وفق خطة تغيير ثقافي مرسومة لها، وهم يعملون في طريق التغيير الثقافي، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا متجردين للحق بعيدين عن الهوى، ومنهم من ينطلق في أفكاره من أهوائه الخاصة، ويوظف الحجج لخدمة هذه الأهواء، ومن المتحاورين من لا يملك حماسا لتوجه معين سوى أنه يتحين الفرصة ليظهر نصيرا للتوجه الذي يعتقد أنه يتناسب وصناع القرار. كأن حديثك هنا مسلط على التيار الليبرالي أو من يسمون أنفسهم التنويريين؟ التيار الليبرالي ضعيف من حيث الوجود، وأنا أعتقد أن الليبراليين الحقيقيين أقل من القليل، ولكنني أعني بكلامي من يحسبون على التيار الليبرالي، وإن لم يكونوا كذلك فغالبهم أهوائيون ومجندون بعلمهم أو دون علمهم. تعني أن التيار الديني هو الذي يحمل الذهنية المناسبة للحوار الصحيح؟ لا يوجد في السعودية تيار ديني، وهذا من فضل الله تعالى، بل يوجد فيها توجه شعبي وثقافي ديني، وهناك فرق كبير بين التيار الذي من صفاته الضعف والزوال، والتوجه العام الذي يتسم بالقوة والشمولية، والتوجه الديني في السعودية يحمل الكثير من عيوب التوجهات الشعبية، وهو اختلاف المفكرين داخل هذا التوجه، وانسياق بعض المحاورين داخل هذه التوجهات مع الرأي العام بحيث يكونون ناطقين عن وجهة نظر الجمهور لا محاورين حقيقيين، لكن الغالبية ممن يتبنون الحوار دفاعا عن التوجه الديني ينطلقون فعلا من ذهنية حوارية صحيحة. لو كان الأمر كما تقول ربما لم نجد خلافا داخل التوجه الديني كما تسميه؟ الخلاف داخل التوجه الديني ليس مرده إلى مشكلة في الذهنية الإسلامية المتحاورة، بل مرده إلى أن الفكر الإسلامي فكر قابل لأن يختلف الناس في داخله، ولكن في حدود ما يسوغ فيه الخلاف، ولا أعرف نقطة يختلف فيها الإسلاميون في السعودية وهي مما لا يسوغ فيه الخلاف. إذا أنت لا مشكلة لك مع الإسلاميين؟ لي مشكلة مع البغاة والإرهابيين، ومن ينظر لهم، لأنهم لا يؤمنون إلا بالخروج، أما من عداهم فلا مشكلة لي مع أحد منهم. لكنك هاجمت الإخوان المسلمين على مدى حلقات في قناة المستقلة وفي أحد برامج قناة دليل؟ لم أهاجم، ولكنني انتقدت بعض الأفكار التي تتبناها الجماعة، وبعض القرارات السياسية لهم، وهذا أمر طبيعي ولا يعني أن لي موقفا مطلق السلبية منهم. ليس لك موقف مطلق السلبية منهم وهذا يعني أنك ترى لهم بعض الإيجابيات فما هي؟ حركة الإخوان نشأت على يد الشيخ حسن البنا في عصر كان يعتبر بحق عصر الإلحاد، حيث كان الإلحاد موضة والإسلام والتدين فكرة معيبة، فيستحيي منها المثقف المصري، وقد استطاعت الحركة أن تقلب الكفة وتعيد المثقفين المسلمين إلى الصدارة والفخر بمعتقدهم، لكن الحركة انشغلت بعد ذلك بالصراعات السياسية بعد ذلك لدرجة أشغلتها عن الدعوة إلى التوحيد أو المفاصلة فيه. ألم يحن الوقت لتكوين نقطة التقاء بين عقلاء أطياف المجتمع؟ نقاط الالتقاء موجودة ولا تحتاج إلى تكوين والجميع باستثناء الإرهابيين، ومن ينظر لهم يعرفها، والكل يدعي أنه يدعو إليها. ما الذي يمنع من اتخاذ خطوة إلى الأمام كل هذا الوقت؟ خطوة تجاه ماذا؟ لا أعتقد أن هناك خطوات مطلوبة لإلغاء الخلاف، لأن الخلاف أمر طبيعي، وهو سنة الله في الذين خلوا من قبل. حتى لو كان مع الليبراليين؟ أبرز عصور ازدهار السنة، وشيوع العلم الشرعي كان هناك معتزلة وقدرية ومرجئة، ولا مانع أن يكون بيننا اليوم طائفة ليبرالية، المهم ألا يأخذوا وضعا في المشهد الثقافي السعودي أكبر من حجمهم الحقيقي، لأن في ذلك ضررا كبيرا على المجتمع. ما الوضع الذي لا تتمنى أن يأخذوه؟ ألا يسيطروا على وسائل التأثير في الرأي العام من إعلام مرئي ومسموع ومقروء، لأن محاولاتهم في التأثير على الرأي العام ستحدث تناقضا بين بنية المجتمع وأخلاقه التي تكونت تلقائيا، وكانت عوامل تكوينها من صنع المجتمع نفسه بتأثير من تاريخه وثقافته، وبين الأخلاق الوافدة التي تفرضها الأفكار والقيم الوافدة، ويحاول الأقلية فرضها على المجتمع عبر تسخير مقدراتهم الإعلامية لها. أفهم من حديثك أن الليبراليين سيطروا على الإعلام.. ولكن أنتم أيضا مسيطرون على المنابر؟! ليست المسألة مسألة تقاسم منابر لنا كذا ولكم كذا، المسألة من هو المعبّر عن المجتمع؟ من الأقرب في طرحه من منطلقات المجتمع؟ ومن الموثوق أكثر من لدن المجتمع هذا هو من يستحق المنابر مهما تعددت، أما المعبرون عن الفكر الوافد التغييري وليس لهم ثقل في داخل المجتمع فتمكينهم استفزاز للمجتمع لا إصلاح له.