فيضان من الملصقات التسويقية العشوائية يغرق جدة، فلا يكاد شارع أو إشارة ضوئية أو عمود إنارة يسلم من إعلانات عن مختلف الخدمات والمنتجات، تبدأ بخدمات تسديد الديون، مرورا بإعلانات مأذوني الأنكحة، وتنتهي بعقاقير وأعشاب معالجة الضعف الجنسي وكل العلل والأمراض. ولم يقتصر هذا التشويه البصري على ذلك، بل تجاوزه للتعدي على ملكيات الآخرين، فلا غرابة في أن تجد حوائط منزلك ومدخله أصبحت لوحة للإعلانات المجانية. “شمس” سلطت الضوء على تلك الظاهرة غير الخاضعة لأية ضوابط نظامية أو جمالية، والتي يستغلها البعض في الاحتيال والنصب، وأضرت بالكثيرين ممن وقعوا ضحايا لمقدمي تلك الخدمات، فدورات الربح السريع والاستشارات وتسديد الديون أو القروض عبر أرقام وهمية، وشراء مستحضرات التجميل، لا تلبث أن تتحول إلى قصص احترافية في النصب والاحتيال. احتيال ونصب يقول سلطان البلوي: “إن هذه الإعلانات الملصقة على الأعمدة وإشارات المرور، من ضرب الفوضى، ولا يجوز بأية حال أن يسكت عنها، ولا بد من رقابة فعالة ومتابعة لأصحاب تلك الإعلانات، فبالإضافة إلى أنها تشوه منظر المدينة، فهي تسوق لمنتجات أو خدمات غير مرخصة من الجهات المختصة”. أما علي المالكي فقد حكى عن تعرضه لعملية نصب مع أحد تلك الإعلانات، حيث احتاج إلى معلم لتدريس ابنه مادة الرياضيات في المرحلة الثانوية.. وقال: “وجدت ضالتي في إعلان عن معلم لديه خبرة 25 سنة في تدريس الرياضيات والفيزياء، فبادرت بالاتصال على صاحبه (مقيم) والاتفاق معه، وأعطيته ألف ريال كعربون”. وأضاف: “بالفعل أتى الرجل للمنزل وقام بتدريس ابني.. وبعد أن علم بحاجة ابني إلى مدرس كيمياء، قال له: إنه قادر على تدريسها، بل إنه يستطيع أن يدرسه جميع مواد المرحلة الثانوية حتى اللغه العربية.. وبعد حصتين طلب المدرس مبلغا إضافيا، ولكن ابني أكد لي أنه لا يملك أية مهارة في التدريس، وأنه لم يستفد منه شيئا، مؤكدا أنه كطالب يعرف أكثر مما يعرفه.. وبعد مواجهة المدرس بذلك تملص وقال: إنه سيحضر لنا مدرسا آخر، وبعدها اختفى عن الأنظار”. وذكر أن الزعم بتدريس كافة المواد في المرحلة الثانوية، أمر غير مقبول ويخالف المنطق، وحذر المالكي من هؤلاء المدعين وأساليبهم. فوضى في المجتمع من جانب آخر، أكد الدكتور أبوبكر باقادر عالم الاجتماع ووكيل وزارة الثقافة والإعلام، أن وجود مثل هذه الإعلانات في الشوارع، خلق نوعا من الفوضى داخل المجتمع، في وقت لا يدرك الناس فيه خطورة الأمر، مشيرا إلى أن تلك الإعلانات بدأت تقتحم جدران المنازل والأبنية، وهذا اعتداء على الملكية. ولفت إلى أن الناس لم يعيروا هذه النقطة أهمية، في الوقت الذي يتعرض بعضهم لعمليات نصب واحتيال، فأصحاب بعض الإعلانات يستغلون الأماكن العامة لترويج سلعهم وخدماتهم بعيدا عن أعين الرقيب، على ظن أنهم سيلقون إقبالا على خدماتهم لأنهم أرخص من المواقع والخدمات التي تدار وتعمل بطريقة رسمية، وتحت غطاء رقابي. وطالب باقادر بإيجاد تنظيم يمنع تلك الإعلانات العشوائية، ويعاقب من يستغل الناس ويحتال عليهم، ويشوه المنظر الحضاري للمدن بتخريب الأماكن العامة والإشارات وجدران المنازل. سلوك غير حضاري أما الدكتور أسامة فيلالي أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز، فقال: إن ظاهرة إعلانات الشوارع، والملصقات التي توضع في الأماكن العامة، سلوك غير حضاري. وطالب بضبط تلك الإعلانات وإخضاعها لإطار قانوني، بعيدا عن الاجتهادات والأمور الفردية التي تضر بالمجتمع. مشيرا إلى أن بعض الدول تعاقب على ذلك الفعل. وذكر أن الإعلان عن أية خدمة يجب أن يتم عبر قنوات رسمية وبمقابل مادي، فهنالك مواقع مخصصة للإعلان وتخضع للرقابة وفق مبالغ مالية. مضيفا أن أصحاب تلك الإعلانات بالطبع لا يدفعون أية أموال مقابل نشرها، عدا تكاليف طباعة الإعلان، وهي مبالغ زهيدة للغاية.