(تمويل غير محدود بأقساط ميسرة والفوائد صفر) قد يبدو الأمر للوهلة الأولى إعلانا دعائيا يفتقر إلى المصداقية، ولكنه في الواقع حقيقة تتبناها الجمعيات المالية التعاونية الخاصة. وهذه الجمعيات المعروفة منذ أزمنة بعيدة، توسعت أخيرا على النطاق المحلي، لأسباب كثيرة، أبرزها الضعف الذي واجهته الدخول المالية أمام المتطلبات الجديدة، وكذلك الخسائر التي ألمّت بمليارات الريالات لملايين الناس من خلال سوق الأسهم والمساهمات الوهمية. وتقوم فكرة الجمعيات على اشتراك مجموعة من الأصدقاء أو زملاء العمل أو حتى الأقارب، في تكوين مبلغ مادي شهري يشارك فيه كل منهم بحصة مساوية للآخرين، ويُمنح المبلغ كاملا لواحد من المشتركين كل شهر، وتستمر الجمعية في العادة لدورة واحدة، فتبدأ من حصول الأول على دفعته وتنتهي بحصول الأخير من المجموعة على دفعته المالية، وقد يتم تجديدها لمرة ثانية أو ثالثة. وهذا التحقيق يسلط الضوء على الجمعيات وأعمالها، وينقل آراء لمواطنين ومواطنات من المشتركين مع الجمعيات؛ ليرووا تجاربهم معها، كما ينقل تعليقات من خبير اقتصادي وآخر اجتماعي، ولا غنى أيضا عن الرأي الأمني. معيشة صعبة يحمّل عبد الله القاضي، الأزمات الاقتصادية الراهنة وظروف الحياة المعيشية الصعبة أسباب توجه الناس نحو الاشتراك في الجمعيات التعاونية، ويقول: “في السنوات الأخيرة أصبحت المعيشة صعبة، ولم تعد الرواتب الشهرية تفي بمتطلبات الحياة، حتى العقار ارتفع إلى الضعف ولم نعد قادرين على السداد؛ ما أجبرنا على التحول إلى تلك الجمعيات التي أصبح لها الفضل الكبير في تخفيف معاناتي، حيث قمت بالاشتراك مع بعض زملاء العمل الأوفياء، وجمعيتنا مستمرة منذ ثلاث سنوات، ويكفي أن تعلم أنني منذ اشتراكي فيها لم أعد أولي أي اهتمام لإيجار الشقة التي أسكن فيها”. الثقة.. شرط وحيد ويؤكد القاضي أن “الثقة هي البند الوحيد الذي يربطني مع زملائي؛ لأنني أعمل معهم منذ ما يقارب تسع سنوات، ناهيك عن كونهم زملاء دراسة في السابق، ونحن نثق في بعضنا غاية الثقة، ولكن لا يمنعنا ذلك من كتابة أوراق ثبوتية وتعيين شهود، لأننا نسمع عن حالات تهرب من السداد من قبل بعض المشتركين في الجمعيات بعد أن يقبضوا دفعتهم”. اشتراكات عديدة من جهة أخرى، تقول حسناء أحمد: إنها تشترك باستمرار وبشكل سنوي في جمعيات من هذا الشكل، وتضيف: “لا يمر عام من دون أن أشترك، سواء بمبلغ بسيط أو بمبلغ مالي كبير، وقد اعتدت على ذلك منذ عشر سنوات” وتؤكد أنها تشترك بالجمعيات، ليس من أجل الحصول على تمويل ضخم، ولكن من أجل الادخار، وهي تصف هذه الجمعيات بأنها أفضل وسيلة للادخار السنوي، وقالت مبتسمة: إنها تمكنت من جمع ثروة لم يكن لها أن تجمعها لولا مداومتها على الاشتراك بالجمعيات. وتضيف نادية: “في السابق لم أجد طريقة فعالة أدخر من خلالها النقود، فقد كنت أصرف كل مدخولي الشهري قبل أن ينتهي الشهر، ما جعلني أعيش أزمات متتالية قررت بعدها الاشتراك بجمعية ولمست فائدتها فواظبت على ذلك”. “الميّة.. ألفين” وتابعت: “مع ظهور الجمعيات بشكل أوسع أصبحت أضع كل مصروفي في الجمعيات إضافة إلى جزء من مصاريف أبنائي، فاستطعت أن أجمع النقود، وبعد أن كبر أبنائي وأصبح كل واحد منهم يعطيني مصروفه إضافة إلى ما يدخل لي من راتب تقاعد زوجي، وأضع كل المبالغ التي أحصل عليها في الجمعيات، سواء الكبيرة أو الصغيرة، فبين جمعية بسهم 100 ريال في الشهر أحصل منها على ألفي ريال، إلى جمعية بألف ريال أحصل منها على 50 ألف ريال”. وأضافت: “بهذه المبالغ استطعت أن أزوج أبنائي وأساعدهم في تأسيس حياتهم، وما أجمعه من مبالغ هو منهم ويعود إليهم”. تخوفات مبررة وقالت حسناء : “أتخوف في بعض الأحيان من الدخول في بعض الجمعيات التي لأصحابها سوابق في النصب، ففي إحدى السنوات دخلت في جمعية مع مجموعة من النساء، فاستلمت صاحبة الجمعية كل المبالغ ثم قالت: إنها غيرت رأيها ولن تؤسس جمعية، بعد أن جمعت المبالغ من جميع المشتركات، وأصبحت تتهرب من إرجاع المبالغ لأصحابها حتى تعبنا من ملاحقتها ومطالبتها بالمبلغ، وبعد سنوات عادت لتؤسس جمعية أخرى بمبلغ مالي كبير، واشترك معها الكثيرون، ولكني تخوفت من إعادة التجربة معها”. أرض ومنزل وتروي أم فيصل تجربتها مع الجمعيات فتقول: “تمكنت من خلال الادخار في الجمعيات من شراء أرض وبناء منزل، فزوجي الذي يعمل في وظيفة حكومية براتب محدود يسلمني كامل راتبه لأوزعه على مصروفات أبنائنا والمنزل، وكنت أضع في كل شهر جزءا من الراتب في الجمعيات، وعلى مدى 15 سنة تمكنت من بناء منزل كبير”. وتضيف: “تعلمت الادخار منذ أن كنت صغيرة، فكانت والدتي تشتري لي صندوقا بقفل لأجمع فيه ما يفيض من مصروفي اليومي، وقد اعتدت هذه العادة حتى كبرت، وحين تزوجت وتكونت لدي أسرة كنا نعيش في شقة صغيرة لا تكفينا، وقررت أن أرتب مصاريفنا حتى ندخر مبلغا لبناء منزل”. لا نعرف الديون وتابعت: “لم تكن هناك طريقة مناسبة للادخار بشكل ملزم، كالجمعيات، فكنت وزوجي نبحث عن الجمعيات من خلال كل من نعرفه من الأصدقاء، ولا أبالغ إن قلت: إن نصف راتب زوجي كان يذهب شهريا للجمعيات، وكلما استلمنا واحدة وضعناها في البنك من دون أن نصرف منها شيئا، حتى تمكنا بهذه الطريقة من جمع المبلغ الذي جعلنا نبني لنا منزلنا بشكل مريح وبعيدا عن الديون والقروض والسلف”. وأضافت أم فيصل: “من قبل كان تسليم مبالغ الجمعيات يعتمد على الثقة، ونادرا ما كان المشتركون يحصلون على وصل تسليم، ولكن مع ظهور مشاكل الجمعيات وظهور الكثير من حالات النصب، أصبح الجميع يتعامل بتوثيق تسليم المبالغ، خصوصا حين تكون الجمعيات بمبالغ كبيرة”. النساء مزاجيات وإلى ذلك، قالت علياء ناصر: “استفدت كثيرا من الجمعيات، فلولاها لما تمكنت من ادخار هذه المبالغ؛ فقد كان هناك الكثير من المتطلبات غير الضرورية التي كانت تواجهني، وكان يمكن أن أشتريها لو كانت المبالغ متوفرة لدي، ولكني كنت أسلم مبالغ الجمعيات قبل أي شيء آخر حتى لا أصرف المبالغ المخصصة لها، وقد كانت الجمعيات الرجالية أكثر التزاما من الجمعيات النسائية، وأكثر تنظيما، فأغلب الجمعيات النسائية يحكمها المزاج في توزيع الجمعية الشهري، وغالبا ما يقع فيها الخلاف على ذلك”.