شهدت الساحة الإعلامية أخيرا بروز عدد من الدعاة الإعلاميين الذين أعادوا تقديم الثقافة الإسلامية بقالب عصري، يقدم الفكر والثقافة والتاريخ الإسلامي مع معالجة لمشاكل المجتمعات الإسلامية. وأقصد بالمعالجة التطرق إلى المشكلات التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية بكافة أشكالها بتجرد وواقعية وهدوء ودون تشنج، مع إسقاطات تاريخية إسلامية وشرعية فقهية بل علمية ونفسية، يسند كل ذلك الثقافة الواسعة والتمكن الإعلامي من فن الإلقاء والحضور وكذلك الإعداد الجيد للمادة. ولعل من أبرز هؤلاء الإعلاميين الدعاة الدكتور طارق السويدان، الدكتور الموسوعة محمد العوضي، والدكتور عمر عبدالكافي، والشيخ سلمان العودة، والشيخ نبيل العوضي. وبالطبع يصعب الحديث عن كل هؤلاء وعن سيرتهم الذاتية في هذه الزاوية. لكن أود فقط الإشارة إلى بعض الأمور، وهي أن توصيل المعلومة وفن الإلقاء عموما هو القاسم المشترك بين هذه الشخصيات؛ فالعلم الشرعي وغير الشرعي لا يكفي وحده ليكون الداعية أو الأستاذ الجامعي مجيدا في الإلقاء بارعا في إيصال ما لديه من فكر وثقافة. مسألة أخرى لافتة، وهي أن عددا من الإعلاميين الدعاة هم من خلفيات علمية؛ أي ليسوا خريجي كليات شرعية، وهذا بالطبع من مزايا الدين الإسلامي؛ إذ إن العلم الشرعي والممارسات الإسلامية بشكل عام ليستا مقصورين على فئة دون أخرى، ولعلي أشير هنا إلى الدكتور طارق السويدان كمثال؛ فهو حاصل على درجة الدكتوراه في مجال النفط من أمريكا، لكنه لم يعمل بتخصصه وإنما اتجه إلى علم الإدارة بتطوير ذاتي، يدفعه شغفه بهذا التخصص، فأخذ ينهل منه بنهم، ثم أخذ يمزج ما اكتسبه من كل ذلك بالعلوم والفكر الإسلامي، إضافة إلى التمكن من الأدوات الإعلامية، فكان هذا المزيج الفريد الذي مكنه من قوة الحضور الذي به أعاد تقديم الثقافة الإسلامية بقالب لا أقول عصريا فقط وإنما جديد وجذاب، حتى إنه ينقب في بطون الكتب الكبرى ويقدم تلك المعلومات المهملة التي يفيد تقديمها كثيرا من حيث ترسيخ الفكرة بل الاطلاع على تفاصيل السير والتاريخ الإسلامي العظيمة على صغرها. يقول مثلا إن معركة بدر استمرت ساعتين فقط وأسفرت عن أعظم انتصار في التاريخ البشري. كذلك الشيخ نبيل العوضي الذي حقا يجبرك على احترامه، بأسلوبه المتدفق الغزير، السهل الممتنع بمعنى الكلمة؛ فهو يعمد إلى القصة لأنها أبلغ طريقة لترسيخ القيم، ويكفي القرآن الكريم كأوضح مثال. الشيخ نبيل يحضر رسالة الدكتوراه في طرق تدريس الرياضيات في إحدى الجامعات البريطانية، علما بأنه درس ثلاث سنوات في كلية الطب إلا أنه غيّر تخصصه إلى الرياضيات رغبة فيها؛ لأن الطب لم يكن اختياره وإنما كان اختيار والده! ثم إنه أخذ يدرس العلم الشرعي ذاتيا حتى تمكن منه فكان هذا المزيج الفريد، ونفس القول الذي ذكرناه عن الدكتور طارق السويدان ينطبق على الدكتور نبيل.. التمكن من الحضور الإعلامي إلى جانب الثقافة الواسعة هما اللذان أعطياهما القبول والنجاح (ما شاء الله). حقا إن الدعوة لها طرق عديدة، حتى بالرياضيات.. والله ولي التوفيق.