لم تعد ألعاب الفيديو الإلكترونية في عالم اليوم مجرد كماليات منزلية، فقد أصبح لزاما على الأسرة أن توفر لأبنائها ما يحتاجون إليه من ألعاب مختلفة ومتنوعة، توفر لهم قضاء أوقات ماتعة ومسلية أمام شاشاتها. ومع الرواج المتزايد لتجارة هذه الألعاب، بدأ المراقبون والباحثون يدركون عددا من المخاطر الناجمة عن الإسراف في استخدامها، ومن بينها ما تقدمه من مضمون عنيف وهدام يتعارض مع تعاليم الدين وعادات المجتمع وتقاليده، وقيم الأسرة التي ينبغي أن يتربى عليها الأبناء في مجتمع أصبحت التكنولوجيا تشارك في تنشئة أبنائه بقوة. مسؤولية من؟ وإذا كانت أجهزة الرقابة الرسمية لم تعبأ بعد بما تبثه هذه البرامج الإلكترونية، التي أصبح العنف يمثل السمة الكبرى في ألعابها، وذلك في ظل تزايد الدراسات الاجتماعية والنفسية والطبية، التي تؤكد خطورتها؛ فإن التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة هي: على من تقع المسؤولية الرقابية على هذه الألعاب الضارة؟ وهل ثمة ضوابط تشريعية يمكن المطالبة بها للحيلولة دون الإتجار المفرط بمواد تفسد عقول أبنائنا وسلوكياتهم من دون وعي؟.. وما هو دور الأسرة في ترشيد الاتجاه العام في اقتناء الصغار لهذه المواد الضارة؟ وشمس” إذ تفتح باب التحقيق في العبث الإلكتروني بعقول الأطفال؛ فإنها تدعو إلى مشاركة اجتماعية شاملة تتناسب مع مخاطر هذا الهجوم التكنولوجي الشرس. الغربيون يعانون بداية، فإن الإحساس بمخاطر هذه المشكلة لا يتعلق بنا فحسب، بل إن الخبراء الغربيين أنفسهم تنبهوا إلى مدى تأثير هذه الألعاب السلبي على نشأة الأطفال، فبدأت صيحات عالية النبرة تحذر من التهاون في الأمر؛ وكانت أشهر تلك الصرخات للعالم البريطاني الدكتور كليفورد هيل، الذي قال: “لقد اغتصبت براءة أطفالنا أمام أعيننا وبمساعدتنا، بل وبأموالنا أيضا، وحتى لو صودرت جميع هذه الأشرطة فإن الأمر سيكون متأخرا للغاية في منع نمو جيل يمارس أشد أنواع العنف تطرفا في التاريخ المعاصر”. وكان البرلمان البريطاني أسند إلى هيل الإشراف العلمي لتقصي مشكلة الألعاب الإلكترونية. ويذكر أن وزراء العدل بالاتحاد الأوروبي اتفقوا على وضع خطط تستهدف تشديد القوانين واللوائح الخاصة ببيع الألعاب الإلكترونية ذات المضمون العنيف والإباحي للأطفال. مخاطر مفزعة وعلى الرغم من وجود عدد من الفوائد في استخدام الألعاب الإلكترونية التي لا تنكر؛ فإن تحذيرات الخبراء بمختلف تخصصاتهم تتوالى من الإسراف في ممارسة تلك الألعاب، خاصة ذات المضمون العنيف؛ فمن الناحية الصحية الجسمانية فإن الإسراف في الجلوس أمام تلك الألعاب المسلية باختلاف أنواعها قد تكون له أضرار متعلقة بالعمود الفقري والبصر، وربما يصل الأمر إلى نوبات من الصرع الذي قد ينتج من الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة في الرسوم المتحركة الموجودة. وعلى الجانب النفسي والاجتماعي أكدت جميع الدراسات الغربية، أن معظم هذه الألعاب تعتمد اعتمادا مباشرا على فكرة الجريمة والقتل والدماء، وهو ما يرجح تنامي الأفكار والسلوكيات العدوانية عند الأطفال. كما أن إدمان هذه الألعاب يسهم في تعميق العزلة الاجتماعية لدى الأبناء؛ لاكتفائهم بالتواصل مع أجهزة الألعاب التي يقضون أمامها أوقاتا طويلة. نشتري ولا ندري وباستطلاع آراء عدد من الآباء والأمهات؛ توافقت وجهات النظر حول القضية، مع الاعتراف بمشاركتهم في مساعدة الأطفال في اقتناء هذه البرامج الضارة، يقول فهد الدوسري أب لطفلين: “للأسف نحن نشتري للأبناء ما يريدون، ولا نعلم محتويات الأشرطة، فهي بالنسبة إلينا مجرد ألعاب!”. ويعترف الدوسري بأن أبناءه ينتقون بأنفسهم ما يرغبونه من ألعاب. ويضيف أنه يخشى من نتيجة تعرضهم لجرعات كثيفة من العنف والقتل والدمار التي تخالف القيم الإسلامية. لا للعنف وتقول بدرية الشريدة، معلمة: إنها بقدر حرصها على انتقاء الأشرطة لأبنائها؛ فإنهم يحرصون على شراء الأشرطة التي تحتوي على العنف والقتل. وتضيف: “كلما كانت الألعاب تحتوي عنفا أكثر؛ ازداد العنف بينهم”. وتؤكد، أنهم كانوا يتقاتلون فيما بينهم بالصورة التي تقدمها الألعاب التي يمارسونها. وتقول: “لذا وضعت حدا لذلك بعدم السماح لهم بشراء هذه النوعية من الألعاب”. نحن السبب أما نواف الأحمدي؛ فيقول: “لدي طفل يبلغ من العمر ثمانية أعوام، وهو لا يقتني من الألعاب إلا التي تلك تحتوي على العنف والقتل”. ويرجع “السبب إلى أن أقرانه من الأقارب والأصدقاء أو زملاء المدرسة يصفون له تلك الأشرطة”. ويضيف: “وهو يعبر عن روعتها بأنها ألعاب ممتازة”. ويوضح: “فهو يستطيع بها الإبادة والقتل!”. ويأسى نواف على واقع الحال قائلا: “للأسف نحن من يشتريها لهم!”. دور الآباء ويؤكد هذه المفارقة سعيد سلامة، بائع في محال أشرطة، حيث يشير إلى أنه يبيع أشرطة الألعاب لجميع الأعمار. ويضيف، أن الأطفال يأتون إليه بصحبة الآباء والأمهات، “ويختار الأبناء ما يرغبون من ألعاب، وما على الآباء إلا أن يدفعوا أثمانها!”. رقابة غائبة ويقول خالد التميمي: “نحن لا ننكر أن للتكنولوجيا آثارا إيجابية وأخرى سلبية”. ويوضح: “لكن إثمها أكبر من نفعها”. ويضيف: “لقد أصبح هؤلاء الصغار يتعاملون فيما بينهم بقسوة وعنف وبلا رحمة”. ويتساءل: “لماذا لا تكون هناك رقابة على المبيعات؟”.