جاري العزيز... أبحث منذ مدة عن اسمك الحقيقي؛ لأنني منذ سنوات أراك ترمقني بصمتك الغريب وتنظر إلي كوجه ضمن وجوه لا تعد ولا تحصى، دون إلقاء تحية الإسلام، أو التفوه معي بكلمة واحدة. أراك بغتة أمامي فأتذكر أنك جاري، وأن ملامحك مألوفة إلى حد كبير؛ لفرط ما رأيتك من مرات لا أحصيها، وأحاول جاهدا أن أتخيل وجهي في مفكرتك، فلا أدري كيف تراني، هل كما أتصور نفسي بأني الجار الخلوق المسالم، أو في صورة الإنسان المتواري وهو في عزلة المدينة يحاول مراقبة أجندة المكان بطريقة ما تختلف عما اعتاد؟. سألت نفسي الأمَّارة بالبحث عن إجابات معقدة، منذ متى حللت في دارك الملاصقة لجداري العزيز، الممتد عبر السنوات في محفظة المدن الواقعة على الشوارع والأرصفة، وتبعثرها السيارات ككيس البلاستيك ينتقل بفعل الهواء والأقدام والعجلات؟ وأثق أنك لا تعرف هذه المعلومات عني، كما نتفق على أننا ارتضينا بمفردة الجار، ونحاول قدر الإمكان عدم تكسير نوافذ بيتي؛ حفاظا على زجاج تدثر به الفوهات الواسعة لجدران منزلك. أخرج من بيتي وأراقب سرعتك حين تدير مقود سيارتك وكأنك تتجنب تصادم وجوهنا، مع أنك لا تنوي فعل ذلك، كما لا أنوي سوء النية حيالك، وتبتسم من بعيد وتمضي. أهي الصدفة التي لا بد منها على توهمي بأنك تحذر أبناءك مني، بقولك: "لا تقتربوا من سيارته، ولا تدخلوا بيته"، ومطالبتك للخادمة بألا تطلب ملحا أو صلصة من بيت الجيران.. فهذا عيب؛ لأننا في مجتمع المدينة، وعلينا تقديم أنفسنا على أننا نملك الرقي والجاه والحسب، ولن يعرفنا جارنا سوى من صورتنا الراهنة أمامه، كما أننا لن نطالب بماض نحاول دفنه؟.. أتوهمك كما تتوهمني، وأتخيلك كما تتخيلني، لك نجومك الساعية لتكون مضيئة في سماء المدينة، ولي نجومي التي تسهر كيفما تحب.. أفعل مثلك أو على اختلاف ما نحن عليه الآن مثل حياة المدينة الراهنة، والقرية التي كانت هي الأمس والحاضر فيها، أطلقنا صرخة الميلاد الأولى ولعلنا نجد في أرضها قبرا يضمنا حين يكتمل مشهد الحياة بإسدال الستارة. لكن، وبعد هذه السنوات يا جاري العزيز اعذرني لا أعرف اسمك.. فبم أناديك؟!