الاتجاه إلى طلبة العلم وحاملي لواء الدين، الذين يُتوسم فيهم الخير والصلاح؛ بحثا عن الدواء الروحي، لا يعد في ظاهره مدعاة للقلق أو الريبة بأي حال من الأحوال.. وهو كذلك في باطنه إن صلحت النوايا.. كما أنه ليس أمرا طارئا، بل هو ممارس على مدى قرون خلت.. سواء كان الأمر رقية شرعية أو استشارة اجتماعية أو تفسير رؤى. القضية ليست هنا.. بل هي في الاستغلال السيئ من قِبل بعض الذين يظهرون للناس متلبسين بلباس الدين، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك.. والمشكلة الأعظم أن يتم تسليمهم الخيط والمِخيَط (كما يقولون) استنادا إلى ما يظهر للأعين، وما يبث داخل البيوت، بلا قيد أو لا شرط، طلبا للعلاج والدواء، دون تأكد من ماهية هذا الشخص الذي قُصد للاستشارة وطلب العلاج! هل هذا الذي تظهر عليه سمات التدين والالتزام صالح النفس والدِّين، قبل أن يكون مصلحا لبيوت وأوجاع الآخرين؟!.. أم أن له مآرب أخرى، يريد الوصول إليها، ممتطيا ثقة الناس فيه؟! علاقات غرامية القصص والروايات التي تروى، ويتردد صداها في الآونة الأخيرة، تكشف لنا حجم الخطر الذي يأتينا من حيث لا نحتسب.. لعل آخرها خبر القبض على أحد المقيمين قبل أيام.. وفحوى القصة أن ذلك الشخص لبس قناع التدين، ليخفي وراءه حقيقة شخصيته المتورطة في أعمال نصب واحتيال وعلاقات غير مشروعة.. مستغلا مكانته الاجتماعية لدى الناس، باعتباره واعظا وخطيبا ومصلحا اجتماعيا.. فدأب على اصطياد النساء اللواتي يعانين مشكلات زوجية.. واللعب بعواطفهن، حتى تورطن معه في علاقات غرامية! فبكثير من الأسى تسترجع أنهار عبدالله قصة إحدى معارفها مع أمثال هؤلاء وتقول: “كانت تراجع معالجا مشهورا بالرقية الشرعية (كما كان يدعي) في إحدى الدول الخليجية، ومع تكرار مراجعاتها له، وترددها عليه طلبا للشفاء، أراد أن يستغل حاجتها إلى العلاج، فعرض عليها مرة من المرات أن تمارس معه فاحشة الزنا والعياذ بالله”!. آفة خطيرة وتذكر الفتاة (أ.أ): “المشكلة ليست في الرقية ذاتها، بل في استغلال أصحاب النفوس الضعيفة من المعالجين لها، وجعلها مدخلا لمآربهم الشهوانية، التي لا تقتصر على جمع المال، بل تتجاوز إلى فعل الفواحش وارتكاب المحرمات والعياذ بالله”. لكنها تؤكد أن الملتزمين الصادقين برآء من ذلك، “إلا أن أولئك المشبوهين أصبحوا آفة خطيرة تهدد الدين والمجتمع”. وتستغرب حنان سعد من كثرة الذين يدَّعون أنهم يعالجون بالرقية الشرعية، وتقول: “أصبحوا متواجدين في أماكن مختلفة، وأصبح الوضع تجاريا بحتا؛ فلم نعد ندري من الصادق ومن الكاذب”. وتتمنى حنان أن “يكون هناك تصريح لمن يمارس هذا العمل، حتى يتمكن الناس من الذهاب إليه بكل طمأنينة”. وتضيف: “هذا العمل هو عمل شرعي يُستخدم فيه القرآن الكريم بشكل كبير، فيجب على الأشخاص أو المشايخ الذين يعالجون به أن يخافوا الله فينا”. وتؤكد هند محمد أن بعض أقاربها يذهبون إلى مشايخ لا يأخذون مقابلا على عملهم، وإنما يعملون ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى. وتقول: “لا بد من التفريق بين المشايخ الحقيقيين والمزيفين الذين يدَّعون التقى والصلاح، من أجل تحقيق رغباتهم المادية والدنيوية”. السمعة وحدها لا تكفي ويوضح الشيخ عبدالرحمن آل عصمان (راق شرعي) أنه من “الصعوبة بمكان معرفة المتدين الحقيقي أو المعالج الشرعي من صفاته الظاهرية”. ويضيف: “ليس مكتوبا على جبين أي شخص هل هو صالح أم غير ذلك”. ويقول: “لكن بإمكان من أراد أن يتثبت من شخصية الإنسان أن ينظر إلى خلفيته العلمية ومؤهلاته، وهل هو ملمّ بهذا الأمر الذي يقصد علاجه أم لا”. ويؤكد آل عصمان: “المشكلة أنه في بعض الأحيان تكون السمعة هي ما يقود الناس إلى قصد هذا القارئ أو ذاك الداعية”. ويوضح أن “السمعة ليست دائما انعكاسا حقيقيا لما بداخل هذا الرجل”. ويقول: “ربما يكون هدفه دنيويا بحتا، أو يكون باحثا عن شهرة”. ويذكر أن “الراقي الحقيقي لا يكون هدفه جلب الناس واستغلالهم ماديا”. ويضيف: “ربما يكون المريض شخصا يعيش على الكفاف، ولا يملك من حطام الدنيا شيئا”. ويوضح آل عصمان أنه لا ينفي “مشروعية قبول مقابل على الرقية، بل أنا ضد اشتراط المبالغ المحددة، وإجبار الناس على شراء الماء المقروء عليه، أو ما إلى ذلك من الأمور، التي هي أقرب للتجارة منها إلى الرغبة في علاج المريض لوجه الله تعالى”.