يعزو بعض لاعبي كرة القدم في السعودية تعرضهم للإصابة خلال فترات متتابعة إلى أمور غيبية كثيرة، أبرزها تأثير العين والسحر؛ ما يجعلهم يبادرون إلى التداوي بالقرآن بما يعرف بالرقية الشرعية أو المسارعة إلى زيارة عيادات الطب الشعبي. ووفقا لتصريح أدلى به أخيرا بدر الخراشي مهاجم فريق الهلال الأول المعار حاليا إلى الأهلي، أكد فيه أنه لا يوجد لاعب كرة قدم لم يراجع أحد الشيوخ، وهو ما يعرف ب(القراية) في منطقة الخليج؛ لعرض سلسلة الإصابات التي تبعده عن الملاعب مرارا. “شمس” فتحت تحقيقا حول أسرار الإصابة بالعين والسحر في عالم الكرة؛ لمعرفة مدى تعامل اللاعبين مع هذا الأمر ودرجة إقبالهم على الرقاة الشرعيين وعيادات الطب الشعبي، وربما النفسي أحيانا، وكيفية الربط بين مهارات اللاعب في الكرة واستمراره في أداء واجباته وبين الإصابات المتلاحقة التي يتعرض لها. شيء من الغموض يود إزالته هذا التحقيق، الذي يركز على الجوانب النفسية والاجتماعية في هذا العالم الفريد من نوعه، إلى جانب رصد آراء بعض الأكاديميين والرياضيين والإداريين في الأندية المحلية. الابتعاد عن الوسوسة أكد الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع الفقة الإسلامي، وجوب التصديق بأن العين حق مستندا إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: “العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين”. وقد عالج منها الرسول صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة حالات كثيرة، وليس في هذا إشكال. وأشار إلى أن اللاعب، خاصة في كرة القدم، يكسب مبالغ كبيرة تفوق الملايين، إلى جانب الشهرة التي تجعله محط أنظار الناس. والجميع على اختلاف مشاربهم يسعون إلى المال والشهرة؛ لذا فاحتمال إصابته بالعين وارد جدا. وشدد النجيمي على أهمية التحصين وقراءة الأذكار التي تقي شر حسد الناس قبل أن يدخل اللاعب الملعب؛ كون العين والحسد موجودين، حتى في ملاعب الكرة، إلى جانب وجود أناس يمارسون السحر؛ مشيرا إلى وجود عنصر المبالغة في مثل هذه الأمور؛ كون اللاعب قد يصاب بقضاء الله وقدره، حيث تعتبر كرة القدم من الألعاب الخطيرة، التي تعج بالإصابات. وقال: “لا نستطيع إلصاق كل إصابات الملاعب بالعين والسحر؛ حتى لا نعطيها أكبر من حجمها فيتحول الأمر إلى حد الهوس والوسوسة”. وأشار إلى أن بعض الناس لم تعد لديهم ثقة في أن الله سيحميهم، على الرغم من تحصينهم لأنفسهم فيتعلقون بالمقرئين والأطباء الشعبيين أكثر من الله فأورث عندهم نوعا من الوسوسة. وأبدى النجيمي دهشته من ذهاب البعض إلى الأطباء النفسيين، رغم عدم تعرضهم لمشكلة نفسية، فالأمر عين وحسد فقط ولا دخل لهؤلاء الأطباء النفسيين به. مشددا على أهمية التعلق بالله وليس بالشيخ المقرئ؛ كونه سببا والشفاء بيد الله وليس بيد مخلوق. السببية تربط اللاعب ب(الدنبوشي) وأوضح الدكتور حبيب بن علي الربعان أستاذ علم النفس الاجتماعي الرياضي المشارك بجامعة الملك سعود، أن العين والحسد يعتبران من المسلمات التي وردت في كتاب الله العظيم والسنة النبوية المطهرة “وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”. فالحسد موجود في مجتمعنا وكذلك في كل المجتمعات الأخرى. كما أن الرقية الشرعية الموثوقة تعتبر من السنة المطهرة أيضا، لكن في الكثير تتحول إلى شعوذة أو سحر عندما تفقد شروطها الشرعية. وأضاف: “إن الرياضيين مثل غيرهم قد يتعرضون إلى الحسد أو العين، وقد يكونون أكثر عرضة من غيرهم؛ وذلك كونهم بارزين في المجتمع والكثير منهم لديهم شهرة تكون محط أنظار الآخرين، ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين يقال عنهم إن لهم “عيونا حارة”. وقال: “عند تعرض اللاعبين إلى الحسد يقومون بالتوجه إلى الرقاة الشرعيين أو الطب الشعبي، مثلهم مثل الآخرين. وقد يقوم بعضهم ممن ليس لهم دراية بالحكم الشرعي إلى العرَّافين أو السحرة لتخليصهم من الحسد، وهذا ينطبق على أفراد المجتمع بكاملهم ولا يختص به لاعبي كرة القدم أو الرياضيين وحدهم”. وأشار إلى اختلاف الوضع عند الرياضيين حول الحسد والسحر عن غيرهم من أفراد المجتمع، وذلك أنه يمكن أن يستغل اللاعبون هذه الحالة لتبرير انخفاض مستوياتهم أو التعرض للإصابة المتكررة، ويعزونها إلى العين أو الحسد أو السحر (الدنبوشي)، بينما يكون السبب أمورا قد تكون غير غيبية، مثل السهر والتدخين وعدم الانتظام في الأكل والتدريب وأخذ الراحة الكافية؛ كي يصل اللاعب إلى أفضل المستويات. وقد تكون هذه الحالة أو الظاهرة هي الشائعة كثيرا بين أوساط الرياضيين. وأكد الربعان، أن نظرية العزو السببي أو السببية هي إحدى نظريات علم النفس الاجتماعي التي قد تفسر هذه الظاهرة، حيث يقوم الكثير من اللاعبين بتعليل الأمور السلبية التي تحدث لهم من هزيمة أو انخفاض في المستوى أو الإصابات لأسباب بعيدة عنهم، بحيث يكونون أقل عرضة للوم من قبل الآخرين، كذلك التأكيد لأنفسهم وللآخرين أن العلة والسبب وبالتالي المسؤولية تقع على أشخاص وأشياء خارجة عن إرادتهم؛ ما يقلل من تحملهم للمسؤولية. هذه النوعية من العقليات التي لدى بعض اللاعبين يجب أن تصحح من خلال تعامل الاختصاصي النفسي الرياضي أو من يقوم بمهمته، وذلك بالتدخل والجلوس مع اللاعب وبحث الأسباب الحقيقية للمشكلات التي تواجهه وتعزيز التعليل السببي الداخلي، الذي يؤكد أن أسباب انخفاض المستوى عائد إلى عدم التدريب الكافي أو الانضباط التدريبي أو السهر وغيره، وكذلك كثرة الإصابات قد تكون عائدة إلى ضعف الإعداد البدني للاعب وغيره. وعندما يعترف اللاعب بأن الخلل يرتبط بسلوكيات يمكن التحكم فيها وفي متناول يده؛ لأنه هو المسؤول الرئيس عنها، فإنه سيبذل الكثير من الجهد لتعديل الخلل وتصحيح مساره ولا يعتذر بأعذار واهية. وقال: “الإعداد الجيد منذ بداية الموسم للنواحي البدنية والمهارية والخططية، وكذلك النفسية والاجتماعية للرياضيين كافة، ولاعبي القدم بشكل خاص، يمكن أن يقلل من ظاهرة تشبث اللاعبين بالعين وتأثيرها على مستوياتهم. مشايخ لرقية اللاعبين واعترف جاسم الياقوت رئيس نادي القادسية السابق بأن الإدارة دأبت على انتداب مشايخ؛ لرقية اللاعبين قبل خوض المباريات بقوله: “نحن فعلا جلبنا مشايخ ضمن برامج وأنشطة النادي؛ للوعظ والإرشاد، وفي الوقت نفسه لرقية اللاعبين شرعا”. وأضاف: “الرقية الشرعية معمول بها في مجتمعنا والبلاد الإسلامية، ثم إن الناس والمؤمن بشكل عام لا بد أن يرقي نفسه بأن يقرأ على نفسه الآيات”. وأوضح أن العين حق وموجودة في الحياة، وكما في الحديث النبوي الشريف: “العين تدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر”. وزاد: “يوجد أناس عيونهم حارة. واللاعب عندما لا يخرج بنتيجة لعلاج إصابته في الطب الحديث يصاب بحالة نفسية ويعتقد أنها نتيجة للعين والحسد فيتجه إلى الطب الشعبي”. وأشار الياقوت إلى الإصابة الشهيرة التي تعرض لها صالح السرحاني مهاجم الفريق، التي احتارت الأجهزة الطبية في تشخيصها ونُصح بالذهاب إلى شيوخ القرآن، وقال: “أذكر وقتها أننا في النادي أصدرنا بيانا صحافيا عن توجه اللاعب إلى العلاج بالأعشاب الطبية. وفي الحقيقة هي عطارة وأعشاب وصفها أحد شيوخ التداوي بالقرآن”. العلاج بالطب الحديث من جانبه يقول الدكتور نبيل عبدالسلام اختصاصي العلاج الطبيعي بنادي الاتفاق: “لا أبالغ إن قلت إن 99 في المئة من الإصابات المتلاحقة للاعبين مجرد اعتقادات وأوهام تتولد لديهم بأن تلك الإصابات المتوالية جاءت نتيجة للعين أو الحسد أو بما يعرف بالدنبوشي وذلك غير صحيح”. وحول سبب تتابع الإصابات لدى بعض اللاعبين قال: “تلاحق الإصابات يحدث نتيجة لخطأ في برنامج الإعداد التأهيلي من اللاعب نفسه، حيث تجده يتسرع في مرحلة التأهيل وتعاوده الإصابة مجددا”. وأكد أنه لا بد من اتخاذ العلاج الطبي الأساسي للإصابات أكثر من أي علاج بديل بوصفها إصابات عضوية. وأوضح أنه من المؤيدين للعلاج بالرقية الشرعية وقال: “مما لا شك فيه أن تلاوة الآيات القرآنية والرقية الشرعية تساعد على خلو الجسم من الشر وتهدئ النفس وأؤيد الرقية الشرعية؛ لأن تلاوة الآيات القرآنية والماء أو الزيت المقروء عليه بالآيات والأذكار مفيدة”. ورفض الدكتور عبدالسلام كشف أسماء اللاعبين الذين تم معالجتهم بالرقية الشرعية، لكنه أشار إلى أنه خلال مسيرة عمله بنادي الاتفاق على مدار 27 سنة استغرب غموض إصابة أربعة لاعبين ما بين معاودة الإصابة وطول مدة علاجها.