للبدايات لذة جميلة، خاصة حين نعود إليها محملين بمقارنة واستكشاف لخطوط النسج الأولى، ولعل الشعر ﺃكثر لون يخصص للبدايات مساحات شاسعة، دفاتر، ﺃوراقا، مجلات، جرائد، ﺃغاني، ومن النادر ﺃلا يعود الشاعر إلى بداياته؛ كي يقيس حجم الفرق، ومن النادر ﺃن يعود القارئ إلى البدايات؛ كي يتلذذ بالتصاعد في مستوى شاعره، وحيث إن الشعر: بات "همجي" ا لحضو ر، مصحو با بأسماء كثيرة تتشابه في كل شيء سوى الأسماء، نفس الصور والأفكار والكلمات والمعاني، وهنا حتما لا ضرورة للرجوع إلى البدايات ولا ضرورة ﺃصلا لعرض بدايات الكبار كأنموذج يحفز ويقول لشعراء "هاليومين": اشتغلوا على ﺃنفسكم ﺃكثر. لا يزال المتابع يردد اليوم ﺃبياتا وقصائد من بدايات بعض الشعراء الذين هم بمثابة الرواد في هذا الوقت: كبدر بن عبد ا لمحسن، فهد عا فت، سليمان المانع، نايف صقر، مسفر الدوسري، وغيرهم، رغم ﺃن ما يرددونه لا يعدو كونه مسارا قابلا للتطور في ذلك الوقت "، ﺃي وقت كتابة القصيدة ﺃو البيت"، وهذا ما يؤكد جدية الطرح فيما قبل هذه المرحلة التي لا تبشر "بشعر"، فبدر بن عبدالمحسن قال: عطني في ليل اليأس شمعة واستمر منذ تلك البداية وهو يجدد ويعجن الشعر بروح وصورة، وحتما ﺃن "عطني في ليل اليأس شمعة" كا نت مد خلا و ا ضحا لشاعرية البدر وﺃلقه، كما ﺃن عافت كتﺐ في بداياته: رميتك يا حطﺐ ذكراي في برد المسافة نار واشوفك يا حطﺐ تخلص وانا فاول بداياتي وهنا كذلك للبداية خط متصل بما وصل إليه عافت اليوم، بناء متقن، وفكرة بكر. ولا ﺃظن ﺃن ثمة متابعا ﺃو شاعرا لا يعرف بيت سليمان المانع: يا شينها لا صرت بين اختيارين مستقبلك ولا حبيﺐ توده وهذا البيت من بدايات سليمان، وعنوانه: السهل الممتنع، وخط سليمان الدقيق في وصف مشاعره، كذلك نايف صقر، كتﺐ في بداياته: الموت حظ القلم والمجد للدفتر حبر القلم غلطتي وايامي اوراقي وهذا البيت من قصيدة لنايف، بذر فيها نهجه للسنين المقبلة فكان الحصاد ﺃخضر وكثير الجمال، وواسعا يفتح للمدى صحبة وﺃغنية. جميع تلك ا لبد ا يا ت ا لتي ذكرناها لشعراء كبار، بدؤوا من حيث الشعر: ساكن يبحث عن "حجر" يفززه؛ لذا لا نستغرب حين يغيﺐ البدر ﺃو ينزوي عافت وسليمان ونايف وغيرهم من الشعراء "الصح"، حيث إن الحضور بالنسبة إليهم، شعر ليس ﺃكثر، ونتاج يقنعهم بالدرجة الأولى قبل ﺃن يقنع الجمهور؛ لذا لا حضور لمجرد الحضور، وهذا ما تؤكده بداياتهم، حيث احترام بالغ لشعر وطرحه! ونحن الآن نرصد بدايات الكثير من الشعراء، شعراء المسابقات والإنترنت وغيرهم، سيراودنا سؤال: بعد مضي السنين ترى هل سنحتفل "بالسنة الأولى شعر" لهؤلاء الجدد، ﺃم سنردد: سامح اﷲ الشعر الذي فسح المجال لهم؟ كل المؤشرات لا تطمئن، لكن لا يزال الأمل معقودا، خاصة ﺃن التنافس بدﺃ يظهر لتقديم نتاج جيد من خلال فرص الظهور المتاحة.