الحضارة وصناعة فلسفة فكرية عربية خالصة بلا تجميع من الغرب.. أمر صعب وشاق.. لكن لا أراه مستحيلا.. فقط لنحرر العقل من قيود التبعية ولنمنحه ثقة بحجم السماء، هل يمكن ذلك..؟ العقلية العربية خاضعة لسقف قصير ترتهن فيها رؤاها.. وآراءها.. وهي عقلية غير متفائلة رغم ارتباط التفاؤل في مسلماتها الدينية.. فترتكب حماقات التخلف والنكوص بتخطيط وتنتظر خبطة حظ تعليها لمصاف التقدم الحضاري، فالعربي يصنع الجدران.. ويكتم أنفاسه تحت سقف يقصم عنقه.. فيختنق دون أن يفتح النوافذ ويهدم الجدران ويحرر ذاته من القتل العمد.. وحتى إن رأى العربي أنه لا دخل له في بناء تلك الجدران عليه أن يتدخل في هدمها وتحطيم السقف الذي يضغط على رأسه.. وألا يرضى بغير السماء له سقفا.. عليه أن يعيد للكون فطرته ويعيشها في اتساق رباني بعيدا عن تعقيدات الفكرة الواحدة والبنية الواحدة.. فاحترام الإنسان وحقوقه وقتل التمييز النوعي بوابة لتفتيت الثقافة الجدارية والعبور إلى الحياة التي تكفل للتنوع البشري التعاطي في تماه موحد، لا تنابذ عرقي أو طائفي.. «مسخرة» العالم العربي الكبرى أنه لا يقبل أن يكون تابعا على مستوى أعلى – وإن كان غصبا تابعا للغرب في مستويات التفاهة والقشور.. ولا يقبل أن يصنع له صورة تليق به وبإسلاميته ومبادئه. ولعل أعظم «مسخرة» هي التي يعتقد العربي أنه يمجد فيها ذاته حين يقول: «الغرب وحضارته قائمة على العلم العربي منذ القرون الماضية.. وإن الغرب استفاد من العلوم التي ألفها العرب..»!! في اعتقاد منه أنه يمجد نفسه.. وهو – مع الاحترام لعقليته – يسحقها ويتهمها بالجهل والغباء.. إذا أيها العربي لم لا تبادر في استردادها بالمعرفة؟ وأن تبدأ بالقواعد التي أسسها أجدادك بدلا من التباكي المقيت؟! الغرب أذكياء حتى في السلب والنهب، ولن يتوانوا في ذلك وأظنهم آمنوا بأن الحكمة ضالة الإنسان لا المسلم فباتوا يستقطبونها ويكيفونها في بيئاتهم.. أرى أن الخيار المفتوح لك كعربي هو إما أن تكون إنسانا صانعا للثقافة والحضارة والعلوم.. وإما أن تحيا تابعا مقلدا بلا تذمر.. أو تشكيك..!!